ضع اعلانك هنا

بشأن “حماس” 

#سلامة كيلة

 

بشأن “حماس”

 

وإذا كانت سنوات تسعينيات القرن العشرين سنوات فوضى فكرية، على ضوء انهيار النظم الاشتراكية، وخصوصاً الاتحاد السوفييتي، وبالتالي، نهاية الحلفاء والرفاق، الذين كانوا معنا في الصراع ضد الإمبريالية، الأميركية خصوصاً. فقد أوضح القرن الجديد تخبط مواقف هذا “اليسار” وتقلبه، حيث ظل ينطلق من المنظور نفسه، بثنائية مبسطةٍ استقاها منذ مرحلة الحرب الباردة، على الرغم من اختلاف الأحوال وتغير مواقع الدول، وهو ما كان يوقعه في هذا التخبط والتقلب. وكانت أحداث “11 سبتمبر” سنة 2001 التعبير عن ذلك، فلأن الحادث كان ضد أميركا، نال أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة كل الرضى والمديح، وأُلبس بن لادن وجه جيفارا، للتعبير عن أن هذا التنظيم هو الشكل الجديد للحركة الثورية القديمة التي كانت تقاتل أميركا. انتشر شعور مليء بالفرح بحدوث نهوض ثوري جديد، أساسه “الإسلام الجهادي”. ولهذا، لقي التأييد والدعم، والاندفاع، إلى أن بدأت الشكوك تحوم حول طبيعة التنظيم، خصوصاً بعد احتلال العراق والدور الذي لعبه فرع تنظيم القاعدة هناك. وهذا يُظهر “السطحية” التي حكمت الموقف، والمنطق الآلي الذي جعل كل منْ يظهر أنه ضد أميركا ثورياً. وهي السطحية والآلية نفسها التي حكمت كل مواقف هذا “اليسار” الذي سيبدو أنه ليس يساراً بأي حال.

ثم، مع بداية القرن الجديد كانت حركة حماس تظهر “حركة مقاومة”، حيث مارست العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي. كان الموقف هو “الدعم المطلق”، من دون تدقيق في ماهية حماس، وما الدور الذي تقوم به، وإلى أين سيوصل؟ بلا شك يجب دعم كل مقاومة ضد الاحتلال، لكن هذا يفرض التدقيق في بنيتها وفهم أهدافها الحقيقية، وهو ما كان يحتاج إلى منطق أعمق من المنطق الصوري الذي يحكم هذا “اليسار”. الأسوأ كان في اعتبار كل “الإسلام السياسي” تحرّرياً ومعادياً للإمبريالية. وبالتالي، الانجراف المذلَ للتحالف معه، أو بالأدق للتبعية له من هذا “اليسار”، وتعميم الأوهام حول طبيعته ومواقفه، والدور الذي يلعبه. وكان دوره هذا من المسببات التي ضخّمت “الإسلام السياسي”، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين. نلمس ذلك في مصر، ومن معظم اليسار الذي يقف الآن مع النظام السوري. ونلمس ذلك في الأردن، أيضاً، من الأحزاب التي تدافع، الآن، باستماتة عن النظام السوري. وفي فلسطين، حيث التحق اليسار بحماس سنوات. وفي تونس، حيث تحقق التحالف مع حركة النهضة. وفي مجمل “اليسار الممانع” الذي هلّل لـ “الإسلاميين” وطبل لهم، ونفخ فيهم، بدل أن يكشف بنيتهم ومنظورهم والمصالح التي يعبّرون عنها، وبالتالي، حدود صراعهم مع “الإمبريالية”، أو مع الدولة الصهيونية.

سار معظم اليسار العربي، و”اليسار الممانع” أساساً، خلف الإسلاميين، وروّج أنهم معادون للإمبريالية ومع تحرير فلسطين، وضد النظم التابعة، وأنهم الشكل الجديد لحركة التحرر الوطني. وفي مستوى آخر، كان هذا “اليسار” متحمساً لدولة قطر التي قرّرت إعمار الجنوب اللبناني بعد حرب سنة 2006، وبات أميرها “أمير المقاومة” كما وصفه حسن نصرالله. كما كان يدافع باستماتة عن تركيا التي خاضت صراعاً مع الدولة الصهيونية، بعد حادث “أسطول الحرية” سنة 2009. وبالتالي كان يصطف في صف محور الممانعة الذي كان يتشكل من تركيا وقطر والنظام السوري، وإلى حدّ ما إيران. وكان الإسلاميون يوضعون ضمن هذا المحور. هذه هي الصورة التي كان يظهر هذا “اليسار” فيها، وكان يتضح أن سطحيته هي التي تجعله يصطف هنا، من دون فهم لطبيعة هذه الدول والقوى. ولهذا، ببساطة انقلب موقفه من هذه الدول والقوى، حيث باتت “عميلة للإمبريالية” الأميركية. كيف يمكن أن ينقلب الموقف بهذه البساطة؟ بالضبط، لأن هذا “اليسار” لم يحلل تكوين هذه الدول والقوى، ولم يفهم بنيتها، فقط انطلق من موقفها، في لحظة معينةٍ، ظهرت فيها أنها في صدام مع الإمبريالية الأميركية والكيان الصهيوني. ونتيجة عدم فهم البنية، التحق بهذه الدول والقوى، ونظّر لها، وبرر سياساتها. وهذه هي السمة العامة لهذا “اليسار”.

ضع اعلانك هنا