ذات عدن … ذات زمن
( اضافة عاشرة )
محمد عمر بحاح
1
قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لمسلحين يطلقون النار من رشاشاتهمم على البجع في محمية الطيور في المملاح بخور مكسر !!
2
بعدها بأيام أرسل لي صديق وفنان تشكيلي خبرا ان مسلحين باشروا الإستيلاء يوم الأحد 7 اكتوبر الحالي على أحواض في الجهة الشرقية للمملاح ، ووزعوها الى قطاعات خاصة بينهم دون ان تحرك الجهات الرسمية ساكنا !!
3
وكنت أشعر بغصة تملأ حلقي ، وبحزن عميق يمزق قلبي وأنا أرى تلك الصورة ، وأقرأ ذلك الخبر . وأخذت أتساءل : هل هؤلاء فعلا بشر مثلنا ، أم جاءوا من كوكب آخر ؟!! هل ينتمون الى حضارة القرن الواحد والعشرين أم إلى همجية لا علاقة لها بالإنسانية ، والرأفة ، والقيم ، والأخلاق ؟؟!!
بحثت عن صفة تليق بهم ، فلم أجد . عندما تنزع قيم ومكارم الأخلاق عن هؤلاء وأمثالهم من ناهبي الأراضي ، وقاتلي الطيور وإبادة البيئة ، وسحق الإنسان في عدن ، يمكن أن يكونوا أي شيء الا أن يكونوا بشرا !
سألت نفسي : ماذا يريد هؤلاء من المدينة ؟
الذي أعرفه ان المدينة تؤنسن الناس .. تهذب روحهم وغلظة قلوبهم ، لهذا هاجر النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بدينه ومن آمن معه من أذى قريش وغلظة قلوبهم من مكة، إلى رحاب المدينة وسماحة قلوبهم . واستقبلوه بالدفوف ونشيد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ..مرحبا أيها المبعوث فينا مرحبا ياخير داع ” في حين كان يقدفه صبية الطائف بالحجارة ، وسفهاء مكة بزرع الشوك في طريقه ، وتعذيب ضعفاء من آمنوا معه ، وبفرض الحصار الجائر عليه وعلى بني هاشم . وقبلها أمر نفرا من المؤمنين الهجرة الى نجاشي الحبشة الذي لايظلم عنده أحد .
ونقل معاوية عاصمة ملكه الى دمشق ومنها اسس لإمبراطورية اسلامية عظمى وصلت الى حدود الاندلس .
ومثله فعل العباسيون فنقلوا عاصمة ملكهم الى بغداد واسسوا ملكا عضاضً .
ذات زمن آخر بعيد نقلت الملكة أروى بنت أحمدالصليحية عاصمة ملكها الى إب حيث المجتمع زراعي ومسالم فحيثما مدت بصرها لم تكن ترى الا رجلا يحمل جرة عسل أوصفيحة سمن ، بدلامن السلاح في صنعاء . وحتى الإمام احمد مع كل قسوته وغلظة قلبه وظلمه الشديد لرعيته نقل عاصمته وإقامته من صنعاء الى تعز هربا من القبائل .
4
هؤلاء الذين ينهبون الأراضي في عدن ، وبالذات أراضي المحميات الطبيعية ، والمنتزهات ، والمتنفسات تفصلهم بين المدينة والحضارة الآف السنوات الضوئية ولايرون في عدن سوى النهب والإثراء السريع بأي ثمن ، ولايمكن أن يتعلموا منها قيم المدنية والحضارة والحداثة والتنوير ، واحترام القانون مثلما كان يفعل أسلافهم .. عندما كان هناك دولة تفرض هيبتها واحترامها على الجميع .. بينهم وبين كل ذلك مناعة ضد الفهم !! لايجرؤ أي واحد منهم أن يفعل ذلك في قريته ومنطقته لأنه يعرف أنه سيقتل فورا ، وان حياته هناك أرخص من ثمن الرصاصة التي ستطلق على رأسه !!
هنا في عدن يمثل دور الأسد والبطل ، وهناك في منطقته التي جاء منها ليس سوى نعامة !! لا يشعر بأي إنتماء الى عدن ، إلى المدينة ، خاصة حين يشعر أنه أقوى من الدولة ، أولاوجود لها ، يتصرف بمنطق القوة طالما يملك السلاح ولايجد من يردعه ! كل ما يربطه بعدن هو قطعة الإرض التي يغتصبها ، والوظيفة التي تدر عليه الدخل ، هي بالنسبة له مجرد جدار ، يبث خلفه كل المخلفات والمتخلفات التي جاء بها من قريته ، وبدل أن يتمدن وتؤثر فيه روح المدينة ، ينفث سمومه فيها ويحولها إلى قفر وخراب !! وغابة سلاح البقاء فيها للأقوى !!
5
مامن مدينة في الدنيا الا ولها متنفساتها . ولعدن متنفساتها .. أوكان لها ، شأنها شأن أية مدينة قبل أن تزحف حمى الإستيلاء عليهابقًًوة السلاح ضمن ماأستولًوا عليه ولايزالون من أراضي عدن !
ومامن مكان يسعد الناس مثلما تسحرهم المتنفسات .. الحدائق والمساحات الخضراء ، الشواطيء والبحار والمسابح ،الأندية والملاعب الرياضية ، المحميات الطبيعية ، والفضاءات المفتوحة الى آخر مدى التي يخرجون إليها هربا من جدران وحر بيوتهم وأحيائهم . وقد حرص الانجليز حين خططوا لعدن وأحيائها على هذه الخاصية التي يعتدي عليها اليوم من قبل من يفترض فيهم أن يحافظوا عليها !!
دافع اهل وسكان عدن بقدر استطاعتهم عن متنفساتهم وأراضيهم ، لكنهم كانوا يجدون في وجههم في كل مرة قوة غاشمة ، تكون أحيانا مجموعات مسلحة يصعب الوقوف في وجهها ، وأحيانا بطش وغطرسة الدولة . أوجماعات مال ونفوذ تستولي عن طريق المال والرشوة والفساد على ماتريد !
ياالهي .. إلى أين يذهب الناس في عدن بدون متنفسات ؟!
الى أين يذهبون في مدينة شديدة الحرارة ؟ .. شديدة الرطوبة .. محصورة بين الجبال والبحر ؟! وحتى البحر يتم ردمه كل يوم وسرقته ؟!! مرة بحجة التطوير وإقامة مشاريع ، ومرات بقوة السلاح والنهب الذي لايتوقف عند حد !
وحتى الجبال يتم الزحف والاستيلاء
والبناء العشوائي عليها .
6
عندما كنت طفلا ، كنت أعرف الى أين أذهب ، وإلى أين يذهب الناس في عدن . أو بالأحرى كان أبي يعرف ، ويكفيني مشقة البحث والسؤال . طفلا كنت . والأطفال ، في الغالب يذهبون مع آبائهم حيث يذهبون ولا يسألون .
كان ثم أماكن كان أبي يأخذنا إليها أنا وأمي وأخوتي . بستان الكمسري ، وحديقة عبد المجيد للحيوان في الشيخ عثمان . وميدان الهوكي وسباق الخيل في خور مكسر . وصهاريج الطويلة ، ومسبح حقات في كريتر . ودور السينما وهي كثيرة في عدن وفي كل مدينة . أما الأندية والمنتزهات البحرية فقد تعرفت إليها بعد أن صرت شابا ويسمح لي بدخولها .
وثم أماكن فاتنة تراها في طريقك من الشيخ عثمان الى كريتر أوالعكس ، تبهج القلب والروح وتريح النفس متاحة في كل