ضع اعلانك هنا

بين سلطة الجماعة وسلطة المجتمع

بين سلطة الجماعة وسلطة المجتمع

 

خلال الايام الماضية استوقفتني الأخبار القادمة من مدينة إب بعد محاولة اسرة وزير الاتصالات في الحكومة الشرعية الفقيد نجيب العوج، بفتح عزاء في صالة اشبيلية وقيام جماعة الحوثي بإخراج حملة أمنية لمنع العزاء. أغلقت الصالة وأعتقل حارسها، فعاد المعزون إلى حي أسرة الفقيد وأقاموا العزاء في الشارع.

 

الملفت في هذه الحادثة، هو أن المجتمع لا يفوت أي مناسبة للتعبير عن رفضه لجماعة الحوثي بالرغم من السطوة الأمنية التي تحاول فرضها. في نظر جماعة الحوثي تعتبر الحكومة الشرعية عدوا، لكن في نظر الناس فإن العدو هو جماعة الحوثي وإلا لما فتح عزاء في مناطقها في وفاة وزير مصنف بأنه في خانة الاعداء.

 

المفارقة أن أمر كهذا لا يمكن أن يحدث في مناطق الشرعية، ليس لأن السلطات ستخرج حملة أمنية لمنع عزاء في وفاة قيادي حوثي مات وهو في صف الجماعة، ولكن المجتمع من تلقاء نفسه يعتبر كل من له صلة بالحوثي بأنه عدو.

 

نموذج الرفض هذا يتكرر بصور مختلفة. مثلا أثناء الخروج الجماهيري للاحتفال بذكرى 26 سبتمبر في اب وفي صنعاء والحديدة، وجدت نفسي اتساءل: لماذا لا نرى الناس في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية يخرجون أو يحاولون ان يقيموا فعاليات في مناسبات الحوثي الكثيرة؟ هناك المولد النبوي الذي تحول الى فعالية سياسية وعدد كبير من الفعاليات التي تنظمها جماعة الحوثي، لكن لم تسجل السنوات الماضية اية محاولة لإقامة فعالية في مناطق الشرعية وتكون متصلة بتوجهات جماعة الحوثي، بينما في مناطق سيطرة الحوثي الناس يخرجون في ذكرى سبتمبر في تحدي صارخ للقوة الغاشمة، يرفعون العلم الوطني كرمز للجمهورية التي هي عنوان المعركة مع جماعة الحوثي. بل وأكثر من ذلك يحرصون على ترديد الاناشيد الوطنية في الاعراس ويتحول عرس أولاد الأحمر الى أشبه بتظاهرة سياسية. على ما تحمله بيت الأحمر من رمزية ثلاثية الأبعاد: علاقتها بالقبيلة، صلتها بالجمهورية، صراعها مع جماعة الحوثي.

 

أيضا الاحتجاجات على اختلاف انواعها، عندما تخرج في مناطق سيطرة الحوثي تفهم بشكل تلقائي على انها تستهدف الاساس الذي تقوم عليه الجماعة وليست مجرد احتجاجات عابرة، بل أن الجماعة نفسها تتعامل ازاء هذه الاحتجاجات بأنها فعلا تهددها وجوديا وبأنها تنفذ أجندة الاعداء على الضفة الأخرى: التحالف والشرعية، (رأينا ذلك اثناء احتجاجات المعلمين). بينما الاحتجاجات في مناطق الشرعية مهما بلغت ذروتها، لا ينظر لها على أنها تنفذ أجندة جماعة الحوثي وان كانت تنال من الشرعية. باستثناء طبعا احتجاجات الحريزي الممول قطريا وعمانيا.

 

يتضح من هذه الحوادث والنماذج أننا أمام نموذجين من السلطة: سلطة الجماعة المنبوذة وسلطة المجتمع الذي يحاول كل يوم فتح مساحات جديدة للتعبير عن رفضه للجماعة دون أية خشية من تهم الخيانة والعمالة. هذه النماذج تظل مهمة بالنظر الى تلك الأقاويل التي باتت ترتفع مؤخرا متحدثة عن قوة الحوثي وتأكل الشرعية، بينما الحقيقة هي أن الحوثي في أضعف حالاته على المستوى الشعبي والشرعية بعيدة عن المجتمع وما يعتمل فيه.

وسام محمد

ضع اعلانك هنا