من أنت يا نشوان:
غصنٌ لم يدعه الحطابون يستمتع بإيقاع المطر.. طائرٌ لم يدعه الصيادون يحلق في الأفق بكامل حريته، ما إن يُطلق لجناحيهِ العنان إلا وتُوجهُ نحوه بنادق الصيد.. قصيدة حبٍ قُتل قائلها بتهمة الإلحاد.. آلآت موسيقية حطمها الكهنة بحجة الفسوق والمجون وغواية الشباب.. متمردٌ وضعوه في ثلاجة الموتى؛ كي لا يوقظ القطيع من سباته.
ظننتني أمشي عندما سمعت وقع يشبه وقع اقدام تقع على البلاط ببطىء لكنها لم تكن قدماي كنت اعيش وهماً ليس إلا والحقيقة التي عرفتها الآن هي أنني مقلوباً رأسي في باطن الأرض وقدماي في الأعلى مثبت تمشي الطريق على قدماي العاريتان، ذلك الوقع الذي سمعته كان وقع قطرات دماء تتساقط من قدماي جراء مشي الطريق عليها.
لكم تبدو الحقيقة فظيعة جداً عندما نشاهدها بكامل وعينا.
أفكر في إخراج رأسي من باطن الأرض والوقوف على قدماي، وكلما حاولت أجد قدماي لا تحتملان الوقوف عليها، إنها تنزف والطريق لا تتوقف عن المشي، وعلى الطريق أمواج من البشر يمشون بمركباتهم واقدامهم، مالذي افعله الآن؟ أقف على رأسي أنتظر معجزة ما فيضان، طوفان، زلزال يزيح الطريق ومن عليها عني.
” اضطراب تحولي حاد” يقول طبيبي النفسي مشخصاً حالتي النفسية. ” هل تتعاطى يا نشوان؟”
يسألني الطبيب بعد ان أخبرته أنني أريد أن أفقد عقلي، لأني لم أعد اطيق التفكير بلماذا فعلتم بي كل هذا؟
آه نعم اتعاطى يا دكتور لكن ليس ما تظن أنني تعاطيته، ليس ما تفمر به، تعاطيت السجن بالدقيقة، تعاطيت القهر جرعات، وتعاطيت الخيبة الخيبة.
لماذا اسالني أنا أيضاً لماذا حدث معي كل هذا؟
سألت الجدران الثلاثة وباب زنزانتي الانفرادية لماذا؟ فأجبوا بالصمت كمن ابتلعته الكلمات ولم يقوى ع الإجابة.
سألت القيود على قدماي لماذا؟ واجاب القيد عزفاً بلحن حزين عنوانه القهر.
سألت الذين مضوا قبلنا في مقابرهم عندما دخلت بغيبوبة لست ادري كم مر الوقت هناك لكن ما أعرفه هو أنني التقيت بالحورش في قبره وسألته لماذا؟ فأجابني قائلاً مت بطلاً، مت شامخاً، إياك أن تقع على قدميك في المقصلة مت واقفاً، يظن الحورش أن طريقة الإمام في إعدام الأحرار مازالت كما كانت عليه.. لقد تغيرت طريقة الإمام لم يعد جزاره يقطع الرؤوس، لقد تطور كثيراً هروباً من ملاحقة حقوق الإنسان إنه يقتك ويجعلك تتبخر والناس تراك حياً، الموت البطيء كأن يتمزق قلبك قهراً.
لماذا إذا أيها الكهنة كل ذلك؟
الآن أود اجابتكم أنتم لماذا فعلتم بي كل هذا؟
متى كنت داعراً من منكم وجدني على سرير زوجته؟
متى كنت جاسوساً؟
من منكم وجدني اشتغل في هذا العهر؟
متى كنت شاذاً؟
من منكم وجدني اغتصب ابنه؟
ومن منكم وجدني اعترض ابنته في الطرقات؟
ومتى كنت حوthياً؟
فمازلت اشتم رائحة دمي الذي لم يجف بعد في هيلان الذي سكبته وانا أدافع عن كرامتنا.
متى متى أيها الجبناء؟
ولماذا لماذا أيها الجبناء؟ لماذا كل هذا؟
لماذا سحقتموني بهذه الطريقة؟
كان يمكن أن تغتالونني بعبوة او بطلقة، أو تدهسو ني بسيارة وتقولون حادث، كان يمكنكم أن تدسوا لي السم في طعامي في شرابي لأموت مسموماً وبستطاعتكم إخفاء الأدلة وسيكون الطبيب الشرعي واحد منكم يقول حدثت له جلطة مثلاً؟
لماذا هلا تكرمتم بالإجابة أيها السفلة؟؟؟
_
نشوان الحداد