قصيدة “صنعاء”
…..
صنعاء
لم يعد في القلب نافذة تطل على النهار
انا المنسي في زخم الظلام
و في زمن الموت على وتر الكمان
ماذا تبقى في سماء ايلول؟
غير نبؤة العراف ان الموت وجهتك الوحيدة
و أن الدرب لن يمضي بخطوك نحو باب الله
و نحو احلام الناي حين يغمّس قلبك في اهازيخ النهايات السعيدة
دع كل اقلام المساء
و اترك دفاتر صيفك الزاهي على اسوار هذا البحر
لعل الريح تنشر ما تركت من النشيج على المدائن
تخضر اغنية بحنجرة الزمان
و يشرق الاتي على حقل من النايات
تولد للطفولة شمس غير هذا الوقت
و تفتح للعيون شواطئ الكلمات
كي تبقى المسافة بين قبرك و انتشاء الحلم
دهرا من غيوم الاقحوان.
لم يعد في القلب يا قلبي دروب للحروف
فالكلام هو الكلام
و نبضك الواهي تثقبه ترانيم القوافي
ماذا ستمنحك الحروف
سوى المزيد من الحروب مع الليالي
و رشفة اخرى من الماضي
تحيل صداك اشباحا
و صوتك شهقة للموت
هذي جلابيب الخيال تمد في كفيك اسراب من الذكرى
ناموا على درب الحقيقة
و اتركوا الاطفال خارج احجيات العمر
يكون لنا الى النسيان نافذة
ندور على مشارفها اذا انطفأ الطريق
و نزرع الاحلام في قلب البحار
ندور على مشارفها عمرا اضافيا
و صبحا لا تتسلل الظلمات من عينيه
من ايقظ الظلمات على نوافذ اطفالنا
من حرر الماضي المحاصر فينا من النسيان
كي تتكسر الاحلام غلى أسوار مدائننا
و يوغل في كلماتنا وجع المنافي
و الرحيل المر عن ارض الجدود
و عن النخيل حين تخبئ في ملامحنا جذورا للبقاء.
صنعاء نافذة الزمان
صنعاء اغنية التواريخ التي اشتعلت على اصدائها كل احلام المدائن
صنعاء ميزان الوجود
و سر الله في الدنيا
و اول صفحة للانبياء
صنعاء ايقاع اللغات
و اكتمال الفجر في شجن الكمان
اول نغمة للضوء واخر ساحة للريح
ولد الجميع على مواسم اغنياتك
و اغتسلت شجون البحر من عينيك
ارتحل المدى مذ كان في رحم السديم على رؤاك
و مازالت خطاه تكسر الريح على نوافذ ميلادك
من ايقظ المجهول على ايقاع خطاك
و من اطلق الاحقاد على ملامح بدرك المشدود بالشريان
كي تزاول مهنة الظلمات نشوتها على خصر البلاد
و ينكسر الجدار سلالما مثقوبة الخطوات و الرؤيا
لا شيء يولد غير معاطف الاحلام
و خطى الوصايا مذ تغلغل هذا الأفق في عينيك
و اكتست قدماك من تلك الجبال
و من سوى صنعاء .. قصيدة مكتوبة بالدم و الدموع
و بالاهازيج التي تخطو على ايقاعها تمتمات الريح
و يمتد على اوجاعها ما تناسل في مياه البحر من ذكرى.
لنا كل ما في القلب من ذكرى
و لنا الصباحات التي امتلات دماءا في فضاء ايلول
لنا قوس الافق مشدود باوردة الجنود
و لنا الخطى في كل ما كتب الجدود عن الصباحات الندية
بالشظايا و الحروف و بالدعاء
يا ارض صنعاء المليئة بالحديد و بالرصاص
يا ارض صنعاء البعيدة في المسافة و القريبة في النداء
مازال في كل الدروب خطى لا تنحني لسواك
مازال في الارواح سلالما لننسج في مخيلة الدهور صباحك الزاهي
و نحلم ان نكون كما نريد
و نمضي كي نكون كما نريد
و نبقى كي نكون كما نريد
انت البداية و النهاية
انت اكتمال البدر في رئة المهاجر
و انت الجهات الست تحملنا نسائمها الى مدن الخلود
انت بوصلة الزمان
و ايقاع الكمنجة في مخيلة الدهور
انت الخطوة الاولى لحرية المعنى
و المعنى الوحيد لخطوة الاحرار
خذ ما ترى في دفتر العشاق من بحر
ترى صنعاء اغنية البحور
و مقصلة الظلام
و ناي ايقاع المدافع في دجى ايلول
ايلول .. خطوة الميلاد
و صورة حاضر مازال ينسج للصباحات اناشيد البنفسج
لتاتي حين تاتي في حقائب الضوء المكدس في القلوب
تشبع الارواح بالصبح المغيب في القصيد.
صنعاء نافذة النجوم الى الدنيا
و اول شهقة للناي في صدر الغريب
قبرة تحط على هزيع الروح
فراشة تؤوي الربيع على كحل ارتعاشتها
تركنا صوتنا للبحر
و انكسرت صواري القلب في باب الشتاء
تحطمت النجوم على مداخلها
و اسرجت العيون ملاحما للدمع و الذكرى
ماذا تبقى؟
سوى إرض تزرع غيمها في كل ثانية
تبقى السماء على امتداد خطاي
و تبعث عطر أيلول الى رئتي
فامضي
لا لشيء
غير ان الدرب دربي
و المسافات التي ملات خطاي اعشوشبت
و ذوت خرافات الدهور على جدار العمر.
عمر ياسين