الشهيد المغدور
بلال الطيب
النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، بطل مغمور، استوطن اسمه القلوب والعقول. حاول لصوص الثورات محو تاريخه، إلا أنَّ سيرته الموجعة ظلت متقدة في الذاكرة، عَصية على النِسّيان.
لفرط حبي لتلك السيرة المُلهمة، غصت في أعماق أعماقها، التقيت بمقربين عايشوا تفاصيلها، تحدثوا بأسى عن جمال روح النقيب، وعظيم تضحياته، وقد نزلت علي صاعقة الاكتشاف، حين تحدث أحدهم بنبرة مكلومة، عن عبدالرقيب، الشهيد المغدور، الذي قتله مشايخ الحجرية قبل أعدائه.
خُلاصة الحكاية: ذات نهار شتوي، من العام 1968م، وقَّع بعض مشايخ الحجرية على وثيقة العار، أهدروا من خلالها دم ذلك البطل المغوار، خاطبوا أسيادهم في صنعاء بعبارات فيها تهكم وسخرية في حق ابن بلدهم، بطل ملحمة الـ 70 يوماً الخالدة، «ما هو إلا راعي غنم؛ وأنتم الذين جعلتم له قيمه!».
مطلع العام التالي، وبعد أن تلقوا الضوء الأخضر من خونة الحجرية، قام مُتلسطو صنعاء بتصفية النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب 24 يناير 1969م، وما أنْ هَموا بسحل جثته في ميدان التحرير، حتى تدخل الشيخ أحمد المطري، وقام بكسر غمد جنبيته، ودعا باسم القبيلة إلى إكرام جثة الشهيد.
وبالفعل قام بعض أقارب وأصدقاء الشهيد المغدور بدفن الجثة في مقبرة خزيمة المجاورة، ووضعوا على القبر مشهداً صغيراً حمل اسم (الشهيد عبدالمجيد عبدالواسع)؛ خوفاً من أي ردة فعل انتقامية، وظل ذلك القبر مجهولاً على العامة لعدة سنوات.
رغم تلك النهاية المأساوية، بقي النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب نجماً مُشعاً في سماء النضال، ورقماً صعباً يصعب تجاوزه. في حين صعد خونة الحجرية الأنذال إلى وهد الهاوية، ثم سقطوا في وحل النكران. رحلوا غير مأسوف عليهم، وظل ذكرهم باهتاً، وقيمتهم صفر على الشمال.
حقيقة صادمة لم أحبذ تجاوزها، واستحضارها هنا لا يعني الانتقاص من تعز ودورها النضالي، بقدر ما يعني التذكير بمصير أولئك الخونة، وبنظرة فاحصة لأحوال أشباههم اليوم، لتبدى لنا وبوضوح سلوكهم الصارخ في تناقضاته، يتحدثون عن العدوان، وهم في ركاب المُعتدين، حقيرون، يقاتلون من أجل بقاء عبوديتهم، ديوثون، حالهم كمن يُشارك في اغتصاب أُمه، ثم يقتلها، ويرقص على جثتها. مسكونون بالخيبة، وبلاهة الحواس، ولو تمعنا أكثر في تفاصيل المشهد، لوجدنا أن ثمة عداء صامت بينهم وأسيادهم، سينفجر قريباً، وسيكونون أول ضحاياه.