عن السلام وكيفية تحقيقه في اليمن “أفكار أولية للنقاش”
عيبان محمد السامعي
* نشر في صحيفة الثوري عدد اليوم الخميس 11 يناير 2024م.
“أول الحرب عدامة،
ووسطها غرامة،
وآخرها ندامة
وبعدها السلامة”
(علي ولد زايد – حكيم شعبي يمني)
مفهوم السلام في أكثر تعريفاته الشائعة هو نقيض الحرب والعنف والنزاع، وهو ما يسمى بـ”السلام السلبي”. أما “السلام الإيجابي” فيعني حالة الاستقرار والاتفاق والانسجام والعدل الاجتماعي. وهو الحالة الطبيعية للمجتمع الإنساني، فمبرر وجود المجتمع الإنساني هو التعاون من أجل تحصيل المعاش وفقاً لابن خلدون، أما العنف والحروب فهي حالة استثنائية وغير طبيعية لأنها تتسبب في تدمير مقومات الحياة الإنسانية وتطغى فيها النزعات الحيوانية المتوحشة والافتراسية على النزعات الإنسانية.
تنبع الحاجة الوطنية المُلِحة لتحقيق السلام في اليمن من الحالة المأساوية والكارثية التي ترزح تحت وطأتها جماهير الشعب اليمني؛ بفعل متواليات الحرب المميتة التي أكلت الأخضر واليابس، وتسببت بحدوث أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم وفقاً لتقارير أممية، وحوَّلت الشعب اليمني إلى شعب جائع يفتقر لأبسط مقومات الحياة الآدمية، وجعلت البلاد ساحة مفتوحة لتدخلات اقليمية ودولية غاشمة، وصادرت القرار الوطني والسيادة الوطنية، ودمَّرت مقوّمات الدولة، وهدَّمت البنية التحتية الأساسية، وأحدثت انهياراً اقتصادياً، وحُطاماً نفسياً، وتردّياً ثقافياً وأخلاقياً، وتمزُّقاً في النسيج الاجتماعي ونسق العلاقات الاجتماعية، وضربت قيم الانتماء الوطني والهوية الوطنية في العمق، وخلقت كيانات ميليشياوية مسلحة ترتبط بولاءات خارجية، وتفرض سيطرتها وسطوتها على المجتمع، وتُمارس انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان.
لقد خلقت الحرب طبقة طفيلية وزعامات وبارونات جعلت من الحرب وسيلة مثلى لمراكمة الأرباح وجني الأموال والحصول على السلاح والنفوذ السياسي ضداً على مصالح المجتمع والأمة اليمنية.
إنَّ السلام الذي ننشده ونتطلع إليه هو ذلك السلام الذي يعمل، أولاً وقبل كل شيء، على إنهاء كل هذه التداعيات الجحيمية الناجمة عن الحرب، والعودة إلى العملية السياسية التوافقية من النقطة التي توقفت عندها.
وبخصوص كيفية تحقيق السلام، لابد أولاً من خلق مناخات مُهيِّئة للدخول في عملية سلام شامل وعادل ومستدام، وهذا يستلزم القيام بإجراءات لبناء الثقة، وهي:
إعلان جميع الأطراف وقف إطلاق النار في جميع المناطق والمحافظات اليمنية.
الإفراج عن جميع المعتقلين والمختطفين من قبل جميع الأطراف.
فتح الطرقات في جميع المحافظات، وفتح المطارات، وتسهيل تنقل المدنيين والسلع والبضائع.
تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية من الشخصيات الوطنية الوازنة والتي تحظى بقبول لدى جميع الأطراف، تتولى التحضير والإعداد لعقد مؤتمر مصالحة شامل يشمل جميع الأطراف اليمنية، وإعداد تصور شامل لاتفاق السلام.
عقد مؤتمر مصالحة وطنية يشمل جميع الأطراف اليمنية وعلى أرض يمنية وبإشراف ورعاية من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
يناقش مؤتمر المصالحة الوطنية القضايا التالية:
تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع القوى السياسية والمدنية والاجتماعية الفاعلة وبدون استثناء.
تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مهنية وتحديد إطار لمهامها الأساسية، وهي:
الاشراف على دمج المقاتلين من كل الأطراف في إطار مؤسستي الجيش والأمن ووفق وثيقة مخرجات الحوار الوطني.
الاشراف على إنهاء كافة المظاهر العسكرية والمتاريس في كافة المحافظات اليمنية، وإزالة جميع النقاط العسكرية والأمنية غير القانونية، وسحب السلاح الثقيل والمتوسط وتسليمه لوزارة الدفاع.
تشكيل لجنة سياسية توافقية تنبثق من مؤتمر المصالحة الوطنية وتمثل فيها جميع القوى السياسية والمدنية والاجتماعية وبشكل عادل؛ تتولى إعادة النظر في مسألة الأقاليم، ومسألة توزيع الموارد بين المستوى الاتحادي ومستوى الأقاليم ومستوى الولايات.
يتحول مؤتمر المصالحة الوطنية إلى جمعية وطنية تأسيسية تتولى الإشراف على استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بما في ذلك تقديم مسودة دستور اليمن الاتحادي، بعد تنقيحه، للاستفتاء العام.
ينبغي على مؤتمر المصالحة الوطنية أن يشمل جميع الأطراف السياسية والاجتماعية بما فيها الشباب والمرأة والمجتمع المدني وبنسب عادلة وعلى غرار آلية التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عقد في 2013.
ما سبق ذكره ما هي إلا إجراءات سياسية تمهيدية لبناء الثقة، أما تحقيق السلام الديمقراطي المنشود؛ السلام الشامل والعادل والمستدام؛ ذلك الذي تتحقق به حالة الاستقرار والانسجام والعدالة الاجتماعية والتقدم الاجتماعي، فهذا مسار نضالي اجتماعي وطني طويل وشاق، له شروطه ومحدداته وموضوعاته، ويحتاج إلى تناولات مستقلة بذاتها.
ما يهمنا – هنا – التأكيد على أنّ لا خيار أمام شعبنا سوى اجتراح هذا المسار النضالي، والسير في دربه، مهما كان ثمنه وتكلفته؛ فثمنه وتكلفته تظلّ أهون وأقل بكثير من ثمن الحرب وكلفتها الباهظة على الفرد والمجتمع والأمة اليمنية.