الحقيقة كاملة

الحقيقة كاملة.

__________

 

ثلاث خطوات وباب، ثلاث خطوات وجدار.. مروحة تصدر ضجيجا لا أعرف أهي معلقة على السطح أم في رأسي، تنفث هواءً أقرب إلى كير الحداد. الأرضية بلاط وعليها فراش مستخدم منذ عامين، ثلاثة، أربعة كثيرون جدا الذين ناموا عليه قبلي.

ساعتان على دخولي هكذا خمنتها ملابسي مبللة بالعرق لكأنني خرجت لتوي من البحر الملوحة ذاتها والرائحة أيضا.

القيود على قدماي تشبه تلك التي كان يكبل بها الإمام المتمردين الاحرار_ قبضتان حديديتان وسلسلة حديدية تربط بينهما.

 

أشعر بالغصة وأنا أفكر مالذي فعلته لأعامل بهذه الطريقة؟ أيكون هذا حقاً خدمة إليك يا الله؟ مالذي فعلته بحقك يالله إنني امشي نحوك. لا لا الله لا علاقة له بالامر، الكهنة وحدهم من فعلوا هذا. هكذا رحت اتسائل واجيب على اسئلتي إذ أنهم تركوني هناك في الانفرادية دون تحقيق ولم يخبروني بسبب سجني هنا، سوى ما قاله السياغي قائد قوات الأمن الخاصة عندما سألته عن سبب اعتقالي واخفائي قسرا هناك:” صاحب الأفكار اجلس مكانك”. وفي زيارة ثانية قال:” إنت لم تلتزم بما تعهدت به، إنت مازلت جندي في الوحدة”. والحقيقة أنهم كانوا قد فصلوني قبل سنة ونصف من الآن لكنهم يتعللون بهذا كنوع من التحايل على القانون الذي انتهكوه عندما اختطفوني، وفي زيارة ثالثة قال لي:” أنت حوثي ارسلوك الحوثة تستقطب ضباط وأفراد الوحدة.” لم تكن المرة الأولى التي يتهمني بها السياغي إنني حوثي ففي العاميين الماضيين سجنت قرابة ثمانية أشهر متفرقة بنفس التهم الموجهه حاليا. وفي زيارة أخرى قال لي:” نحن حتى الآن نتعامل معك بإنسانية، احترم نفسك لا تقل أدبك وإلا ننقلك مكان ثاني ونربيك”. ههه هه مثير للسخريه من يتحدث عن الإنسانية أنت أنت تتعامل معي حتى الآن بإنسانية ههههههههههههه.

 

القصة طويلة نوعا ما يا عزيزي فيها الكثير مما ستعتقده ضرباً من الخيال لكن أقسم لك بما تحب إنني عشته حقيقة.

لم يكن هذا الإنتهاكا الأول بحقي لقد فعلوا ذلك من قبل ففي مساء الثامن من يوليو اثناء خروجي من صالة الفخامة تفاجأت باربعه مسلحين يرتدون ملابس مدنية وسيارة مدنية أيضا_ باص نوها ابيض اللون_ سمعتهم ينادون باسمي نشوان، أجبتهم وسألتهم ماذا تريدون؟ اخذوني من يدي واحدهم من كتفي وأخذوا هواتفي، من أنتم أخبروني أنهم تابعين للبحث الجنائي. سلموني لطقم تابع لقسم المديرية وعندما دخلت القسم سألت ضابط البحث هناك لماذا أنا هنا فقال بالحرف الواحد:” أنت إبن سوق، ملحد، حوثي، تسب علي إبن ابي طالب، وتشرب الخمر، تسب الله والرسول والصحابة”. اتبع كلامه بجملة من التهديدات.

حققوا معي بنفس الليلة بشكل غير قانوني.. صباح تلك الليلة اودعوني السجن المركزي وعند وصولي السجن المركزي حاولوا الاعتداء علي بالضرب، حلقوا رأسي صفر، بعد أن رماني مدير السجن بالمفاتيح على كتفي قرأت في السجل إنني ” مروج خمور”.

 

البوابة الأولى للسجن تفتح بعدها الثانية اجدني داخل السجن المركزي الآن.. النزلاء يستقبلونني ” معانا ضيف، ايش تهمتك، ليش حلقوا لك صلعى، شكل قضيتك اخلاقية”. هكذا كانوا يتحدثون، اخبرتهم أنني مروج خمور، أين فراشي سأنام؟ سألتهم. اطلقوا ضحكاتهم ” مافيش فرش، ولا مكان للنوم تشوف الناس بين الشمس” يقول أحدهم.

 

كان لدي رفيقين هناك استقبلوني بدورهم وراحوا يعرفونني على السجن: ستة عنابر تشبه إسطبلات الابقار.. دشم أمام العنابر وعلى الحائط.. جامع وحمامات وسط السجن.. فرش ملقية في الحوش ينام عليها سجناء تحت أشعة الشمس كأنهم موتى. ” هنا الحمامات” يقول لي أحد الرفاق القيت بدوري نظرة عليها، غير صالحة للإستخدام رائحة نتنة جدا.. ” وهذه الحنفية التي نشرب منها الماء” ترمى القمامة بجانبها وبجانب القمامة ينام الكثير من السجناء، سألت الرفاق كيف يناموا هنا؟ كيف يطيقون كل هذه الروائح؟ ” يحمدوا الله إنهم وجدوا مكان يناموا فيه، مدري بتلاقي مكان تنام فيه وإلا لا” اجابوا علي.

” هذا قاتل، وذاك سارق، وهذا اغتصب طفل، وهذا عليه حشيش، وهذا عليه أربعة الف، وهذا عليه محادثات في الواتس يقولوا أرسل بصور قضيبه لاحدهم” كانوا يعرفونني على السجناء قرابة أربع مائة سجين هنا بينما السعة الحقيقية للسجن ستون فرد فقط.. ” هذا السجن كان في الماضي ملحمة” لهول ما شاهدت أسميته مسلخ بشري، إنهم يسلخون البشر هنا الاغنام لها ثمن، أما أنت أيها الإنسان لا قيمة أو كرامة أو حقوق لك.

 

بعد يومين من اعتقالي وجهت النيابه بضبطي، وبعد عشرة أيام طلبوني إلى النيابه وأخذوا اقولي.. عضو النيابه المحقق كان خصما غير شريف، اثناء التحقيق كان يلقي علي محاضرة دينية محاولا هدايتي إلى الله بحسب قوله ههه ههه ههه، نهاية التحقيق نسب لي أربع تهم( الإساءة للدين، افساد المجتمع، ترويج الخمور، إخلال بالآداب العامه)

سبعة عشرة يوماً قضيتها في المركزي خرجت منه بضمانة تجارية.. تعللوا أن سبب بقائي طوال هذه الفترة كان بسبب عدم المتابعة بعدي ههههههههه كان التبرير سخيفاً جدا، كأنهم يقولون إن لم يكن لك أحد يتابع بعدك فسوف ننتهك القانون ونمتهن كرامتك، ونسلب حقوقك، ونبقيك في المركزي حتى يسمح لنا مزاجنا بالتحقيق معك.

كان الفضل في خروجي للحملة التضامنية التي قام بها الرفاق والأصدقاء لهم كل الحب.

 

اتدري بعد خروجي من المركزي لم أكن قد تنفست هواء نقيا بعد ليأتي طقم تابع للامن الخاص ليختطفوني مرة أخرى، عصبوا على عيني واقتادوني إلى معسكرهم بتوجيهات السياغي كما قالوا.. وضعوني في الزنزانة الانفرادية التي حدثتك عنها بداية القصة..

خمسه وسبعين يوما قضيتها هناك، لا أعرف الشمس، ولا أتواصل باقاربي، كان إخفاء قسري هكذا يصنف في لوائح حقوق الإنسان.

لك أن تتسائل الآن هل ثمة احترام لكرامة الإنسان؟

وماذا بعد؟

خرجت من هناك بتوجيهات المحافظ عضو المجلس الرئاسي سلطان العرادة كما اخبروني.. قبل أن يسلموني لضميني أ/ حسين الصوفي وعمي جعلوهم يوقعوا على تعهد مضمونه هدايتي إلى الله.

 

_______

نشوان الحداد