علم تخريب العقل الجمعي
مصطفى محمود
مدخل
لاشك ان مفردة التخريب تعني الدمار في ارض العدو ومنشئآته واقتصاده وبناه التحتية , وهو جزء من الاعمال العدائية التي تسبق او تتزامن مع الحروب .
الا ان النظريات الاستخبارية الجديدة والمتاثرة بالحرب الباردة ترى إن القتال فى أرض المعركة يأتي بنتائج عكسية وغير فعالة وان العداء لاينتهي بالحروب وتزداد المقاومة وتتوحد الشعوب ، وان النجاح لايتم بالحروب والتدمير والدماء , فهذا أسوأ طريق لتحقيق النتائج المرجوة وانه لابد من البحث عن طرق بديلة وذكية تتمثل بتخريب مجتمع العدو من الداخل .
وهذه الطريقة تسهل السيطرة على البلد العدو من دون اطلاق رصاصة واحدة , فكلمة التخريب هنا لاتذهب الى الاعمال الجاسوسية العدائية العنيفة , فأدواتها هو طالب بعثة وفنان وقائد عمالي ودبلوماسي ومنظمة مجتمع مدني ورجل دين ومصور وباحث وغيرهم من الناس اللطفاء ظاهرا , فالتخريب هنا يتم ببطء وفعالية وهو مايسمى بتخريب العقل الجمعي للمجتمع المستهدف .
1ـ التخريب السلمي
التخريب المجتمعي بمعناه الاستخباري يعني تدمير كل ماله قيمة في مجتمع دولة العدو , كالدين والموروث والعادات والحكومة والنظام الاقتصادي والسياسي والنسيج الاجتماعي وتخريب العقل وإفساد الضمائر وإضاعة الوقت .
ان السر في نجاح هذا الاسلوب يتأتى بثلاثة امور :
الاول : هو علانيته وانه عمل محمي بالقانون وليس سري كباقي الاعمال الاستخبارية لكونه يجري وفق قوانين الدولة المستهدفة بالاخص ذات النظام السياسي الديموقراطي , فهو عمل ذو طابع فكري واعلامي ومسموح بممارسته في الدول المستهدفة من قبيل انشاء المنظمات وعدم سيطرة الدولة على الاعلام .
الثاني : هو ان له قابلية التعجيل الذاتي بما يشبه دحرجة كرة الثلج , فالتخريب الفكري يكون لين ومرن وينسلُّ بسهولة ويتمكن من الانتشار والتوغل والالتصاق ومن ثم يتفاعل ذاتياً لينتج تخريباً ذاتياً .
الثالث : انه يجري في مراحله المتقدمة على ايدي ابناء البلد المستهدف ذاته مع وجود الاسناد الاعلامي الاستخباري الخارجي المكثف , ففي حديث لأحد عملاء الاستخبارات السوفيتية المنشقين يتحدث عن الكيفية التي كانوا يقومون فيها بدعوات لمفكرين وادباء وفنانين واعلاميين منتخبين بدقة من بلدان معينة بغية التأثير فيهم والقيام بالهائهم عن اية مظاهر سلبية وابراز ايجابيات الاتحاد السوفيتي ليصبحوا مستقبلاً ادوات في البروباغندا السوفيتية الاستخبارية الموجهة .
وغالباً ماتصرف موازنات مالية ضخمة استخبارية لهذا النوع من تخريب العقول باعتبار انها مهما كانت طائلة فانها لاتصل الى مئات اضعافها في الحروب مع ذات العدو ودون خسائر في الارواح , بل ان احد الخبراء الاستخباريين السوفييت المنشقين يقول ان موازنة تخريب العقول تلك كانت تلتهم اكثر من ثلثي موازنة الKGB.
2ـ التخريب وفن القتال الياباني
ي
شبه خبراء الاستخبارات أسلوب
التخريب بفن الدفاع عن النفس اليابانى، فمن قواعد هذا الفن انه إذا كان العدو أكبر وأثقل منك سيكون من غير المجدي إيقاف ضربته ، لكن الطريقة المثلي للدفاع عن النفس هو أولاً تجنب الضربة ثم إمساك قبضة العدو مع سحبه إلى إتجاه حركته حتى يصطدم بالجدار.
ولتوضيح وجه الشبه , فإن اي نظام حكم فيه معارضون على اربعة اشكال , منهم مجرمون او متمردون على القانون , ومنهم معارضون ايديولوجيون كأحزاب المعارضة , ومنهم شخصيات مضطربة تعادي كل شىء في المطلق , وهناك أيضاً مجموعات صغيرة من العملاء, وان كل من تلك المجاميع الاربع منفصلة عن الاخرى ولكن تمثل اللون الاسود من المجتمع والناقم على كل شي .
فتسعى الاستخبارات المعادية لبلورة الاتجاهات الاربع وتهييجها في وقت واحد , وفى تلك اللحظة التى يتم فيها تحريك الجميع بإتجاه واحد , يأتي الوقت الذى تمسك فيه الاستخبارات المعادية بقبضة الدولة العدوة وتدفعها الى نفق الازمات المدمرة حتى تحطمها وتوثر ردود فعل الدولة على زيادة السخط وعدم رضا باقي افراد المجتمع بشكل عام .
3ـ( المليشيا الحوثيه…و استراتيجية..مراحل التخريب الأربع)
التخريب المجتمعي الذي تقوم به الملشيا الحوثيه في اليمن.. يتكون من أربعة مراحل زمنية محكمة هي :
اولاً- مرحلة تدمير الأخلاق ونزع الروح المعنوية: ( Demoralization)
ان هذه المرحلة تستغرق ما بين ١٥ إلى ٢٠ سنة لكى تدمر أخلاق مجتمع تليمني . وهي الفترة الكافية لتعليم جيل واحد من الطلاب أو الأطفال.. فهذه مرحلة تمثل فترة تشكيل الافكار لجيل جديد, فالمرحلة التي تبدأ بإستهداف الاطفال من بداية السن الدراسي وتستمر بممارسة التأثير عليهم حتى مرحلة الجامعة تكون قد سيطرت على جيل من الشباب المتحمس الذي ترى الاستخبارات الايرانيه الحوثيه انها تستطيع تطويعه لأهدافها .
وتشمل تلك المرحلة العمل على التأثير وخلخلة كل قيم المجتمع اليمني وتشجيع التمرد عليها وزعزعة كافة الثوابت التى يتشكل أو يصاغ بها الراي العام مثل الدين والنظام التعليمي والحياة الإجتماعية والإدارة ونظام تطبيق القانون ونقابات العمل وعلاقات أصحاب العمل والمنظور الإقتصادي والنسيج الاجتماعي والمفاهيم الاخلاقية .
ففى حالة الدين : تسعى الاجهزة الاستخبارية الحوثيه ايرانيه لتدميره والسخرية منه والسعي لاستبداله بالتشيع ومءهب آل البيت والعبادات والمعتقدات التى تجعل الؤمنيين ترى ان هذا الدين ساذج و بدائي ومعطل عن جهاد اليهود وتلنصارى , فتحصل المقبولية المجتمعية بتآكل العقيدة الدينية لتأخذهم بعيداً عن الهدف الأساسي للدين كعلاقة روحية مع خالق أعلى , كما يتم إستبدال المؤسسات الدينية المقبولة والمحترمة بمؤسسات وهمية موازية لا تمت للدين بصلة وتصرف إنتباه الشعب عن الإيمان الحقيقي وتدفعهم الى التشيع والخرافات والاساطير.
أما في التعليم : فيتم إبعاد اليمنيين عن تعلم الأشياء الهادفة ذات القيمة البناءة، لتكون بديلة عن الرياضيات والفيزياء واللغات الأجنبية والكيمياء، ويتم الحط من البحث العلمي , ويجري العمل على ضخ التعليم بالاشياء التافهة كتاريخ إل البيت والامام الرسي والأئمه وحسين الحوثي والملازم القرأنيه. .لخ وبرامج سماع خطب عبدالملك الحوثي والمسابقات التافهة ونشر الخرافات أو أى شيء تافة.يكرس العبوديه الطوعيه
وفى الحياة الإجتماعية: يجري العمل على تحطيم العادات التي تحصن المجتمع اليمني بدلاً من تهذيبها وتشويه محتوى العادات الجيدة من خلال ابراز ضرر العادات والتقاليد السيئة ومن ثم ضربها هي والعادات الحسنة دفعة واحدة بيافطة حب آل تلبؤت والولايه ومعادات امريكا والغرب , والاتجاه بالمجتمع اليمني للتشيع والعبوديه الطوعيه و يكون استهلاكياً بالدعايات التي تحثه على الدخول في دوامات الفقر والعوز والحاجه والجهل والضياع
وفي مجال منظمات المجتمع المدني : يجري العمل على إستبدل المنشآت والمنظمات التى أوجدتها التقاليد بمنظمات وهمية وتحطيم القدرة على تحمل المسئولية المجتمعية وإستبدلها بنشاطات تافهة لمنظمات وجمعيات تابعه للمسروع الحوثي التخريبي
وفي مجال القانون والنظام : فان من المهم افساد النظام القضائي وتسييسه , كما تعمل البروباغندا الحوثيه على ضخ اعلامي كثيف يزعزع القناعات بماهو متعارف عليه من الاخلاقيات ,
ويمكن ملاحظة ذلك في الكثير من الجرائم التي ترتكبها المليشيا الحوثية يبدد اعلامها تعاطفك الشعبي مع الضحيه واستسهال الجريمه على بشاعتها ويتقبل المجتمع المجرمين نفسيا بالضد من القانون والنظام والقيم.والاخلاق، ان كل هذا وغيره يجعل المجتمع اليمني فى حالة عدم إتزان فكري ونفسي بل يصل به الأمر إلى أنه لايميز العدو من الصديق من الأساس ، بل يتشكك في قدرته على الفهم , والاهم من ذلك ان المجتمع يصبح عاجزاً عن الرؤية السليمة حتى لو اتيحت له الحقائق والوثائق اللازمة.
ثانياً – مرحلة زعزعة الإستقرار: (Destabilization)
هذه الخطوة قد تأخذ بين عامين وخمسة أعوام ، ويتم ذلك من خلال ضخ الافكار السياسية التي تدعو للتفكيك العرقي والديني والطائفي والحزبي وتشجيع كافة اشكال تفكيك النسيج المجتمعي وتضخيم الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية اليمنه وتشجيع الاتجاه الاستهلاكي والعنصريه العرقيه والطبقية وتحطيم الطبقة الوسطى لتوسيع الهوة بين طبقات المجتمع , واغراق المؤسسات بالرشوة والفساد المالي والاداري وتحطيم تكافؤ الفرص وتشجيع المزيد من احتقان المواطنين تجاه الشرعيه والاضرابات مما يؤدي إلى اضعاف اقتصاد الدولة الشرعيه لتصبح بمنتهى التشويش والضعف .
ثالثاً – مرحلة الأزمة:( Crisis stage)
ان المرحلتين السابقتين تؤديان الى شلل في هيكل الدولة الشرعيه والسلطة الحاكمة وهنا تسيطر مافيات الفساد والهيئات غير الرسمية والمكونات والتشكيلات المسلحه النافذه والاحزاب والقوى العصابية ,والمناطقيه والقوات الموازية للاجهزة الحكومية المسلحة وتسيطر جميعها على مقدرات الدولةالشرعيه والمجتمع , وهنا يبدأ المجتمع في البحث عن منقذ اياً كان هذا المنقذ واياً كانت افكاره , فالمهم ان يخلصهم من الازمات .
وهنا يأتي دور الاستخبارات الايرانيه الحوثيه واستخبارات الدول الطامعه لتلقي للمجتمع المأزوم بحبل النجاة , لتكون هي المنقذ من خلال خيارات مشبوهة مرتبطة بها , ففي هذه المرحلة يتم تنشيط جميع الخلايا التخريبية فى الدولة الشرعيه على نطاف الاراضي المحرره وتنشيط حراك الشباب الذين تم استهدافهم لخمسة عشر عام او اكثر ليكونوا وقود الحرب والفوضى , ومن ثم السيطرة على مقدرات البلاد بلا تدخل عسكري ولا معارك , فالدولة الشرعيه في تلك المرحلة تكون قد خضعت بالكامل لتوجيهات العناصر الموجهة من الاستخبارات الايرانيه الحوثيه
رابعاً – مرحلة التطبيع: (Normalization phase )
وهنا يأتي المنقذ بشكل حاكم قوى يتعامل بحزم وقوة ويمنع اي شكل من اشكال الاعتراض حتى من اولئك الذين اوصلوه للسلطة , وحينها تمر البلاد بمرحلة اغتيالات وانقلابات لتأكل الثورة او القيادات بعضها البعض لتصل الى شكل من الحكم لايرغب في العداء معك .ولينتهي الامر بخطوة تطبيع المواطنين فى على الأوضاع الجديدة بالحزم والقوة ويتم سحق اية مقاومة ، وفي تلك المرحلة تتم سيطرة الحرس الثوري الايراني على ولاتعود الدولة تنظر للآخر على انه عدو , وكما قلنا دون اطلاق طلقة واحدة .
الــــخلاصة
ان الاستخبارات كعلم يخضع لقواعد وللتطوير المستمر , ومن ثم فإن فكرة العمل الاستخباري في التخريب هي الاخرى تطورت وصارت ايرآن واجهزتها الاستخبارية واذرعها في المنطقه تجد ان الحروب والمعارك والنسف والقصف هي حلول بلهاء وان هنالك بدائل اكثر انسيابية وبطرق شيطانية للسيطرة على بلدان المنطقة دون اية ضوضاء ,
وهو امر لاينبغي النظر اليه باستسلام كالقدر وانما بالامكان مقاومته وافشاله من خلال الوعي وتقوية النسيج الاجتماعي والعدالة الحقيقية وتكافؤ الفرص وكشف الفساد والارتقاء بالتعليم وهي امور ليست طوباوية وغير قابلة للتحقيق فهنالك الكثير من دول العالم الثالث استطاعت بناء نفسها وتطورت واستعادت مكانتها ,
@الجميع
مصطفى محموداليمن