فتحي منجد
دخل العام الهجري 1438هـ والرئيس عبدربه منصور هادي في قصر المعاشيق عدن، فصادف أول جمعة وتأخر وزير الأوقاف الذي كان من المفترض أن يلقي خطبة الجمعة.
حينها كنت في الصف الأول فأشار إليَّ الدكتور أحمد عبيد بن دغر (قم أخطب)، وطبعاً لم أكن مستعداً أبداً لكن من باب “مكرهٌ أخاك لابطل” قمت والقيت السلام وأثناء الأذان طرأ على بالي موضوع الهجرة كوننا في بداية العام.
فحمدت الله والقيت خطبة تطرقت فيها حول الهجرة النبوية وأثرها في إقامة دولة الإسلام، ودور قبائل الأزد اليمنيين (الأوس والخزرج) في نصرة الإسلام وكيف قاسموا المهاجرين وآخوهم وضحوا بكل ما يملكون في سبيل ذلك وذكرت بعض القصص والنماذج من حياة الصحابة رضي الله عنهم.
وفي الخطبة الثانية ذكرت ماحصل للرسول عليه الصلاة والسلام عندما أخرجه كفار قريش من مكة مشرداً وأنه عاد بعد 13 عاماً منتصراً فاتحاً وقال حديثه المشهور من دخل البيت فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن إلى آخر الحديث.
ثم دخل البيت الحرام وهو يقرأ :(إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) ثم قال لقريش ماتظنون إني فاعلٌ بكم.. فقالوا أخ كريم وابن أخٍ كريم، وقال قولته المشهورة “إذهبوا فأنتم الطلقاء”.. ثم دار في نفسي أن أذكر الرئيس كما يفعل وزير الأوقاف عادةً في خطبه فقلت وهكذا ماسيحصل لفخامة رئيسنا المنصور عبدربه منصور د
واذكر مما قلت بالنص: سيعود صنعاء فاتحاً منتصراً يردد – تشبيهاً بواقع الحال لا واقع المقال – مقولة حسان بن ثابت عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداءُ.. فإما تعرضوا عنا اعتمرنا.. وكان الفتح وانكشف الغطاءُ.. والا فاصبروا لجلاد يومٍ.. يعز الله فيه من يشاءُ.
واعتقد أن فخامته حينها لن يقول إذهبوا فأنتم الطلقاء وإنما سيحاسبهم وفق شرع الله والنظام والقانون.. ثم ختمتها بأن شرعية الرئيس في صنعاء هي نفس شرعيته في عدن في إشارة مني إلى بداية خلافه حينها مع التحالف.
وختمت بالصلاة على النبي والدعاء لولي الأمر واقيمت الصلاة.. بعد الصلاة قام الجميع ليشكرني ويثني علي وارسل لي الدكتور بن دغر وشكرني وشجعني وقال لم يخطب أحداً كخطبتك واشاد بربط الحاضر بالماضي وقال نريد نسمعك مستقبلاً.
كان من الحضور عدد من الوزراء منهم حسين محمد عرب ونائبه علي ناصر لخشع ومحافظ عدن عبدالعزيز المفلحي، وفضل حسن، وآخرين من قيادات الشرعية.
الذي ذكرني بهذا الموضوع الصورة التي التقطها لي أحد الزملاء أثناء الخطبة.. وطبعاً مما يجب أن نفهمه أن الخطاب شيئ والواقع قد يكون شيئاً آخر فبعد ست سنوات لم يدخل فخامته صنعاء رافعاً رأسه بل خرج من عدن خافضاً له.
ولم يتمثل ابيات حسان لاكداء ولا خولان ولافرضة نهم ولانقيل إبن غيلان.. لم يسترد صنعاء ولم يحافظ على عدن، وضاعت شرعيته كما ضاعت اليمن.. ولم يدم شيئاً إلا هذه الصورة التي شاخ صاحبها وشاب رأسه.
وللتوضيح كان المسجد صغير داخل القصر تقام فيه الجمع احياناً.. ولم يحضر الرئيس حينها لمرض ألم به – ربما لسوء حظي – ولم يتبرع صديق بابلاغه مثلما يتبرع العدو بنقل الوشايات.
ولو اتيحت لي الفرصة مرة ثانية لما ذكرت أبيات حسان وسأستبدلها بقول صاحبة صعدة تخاطب زوجها: (غدرتني غدر التحالف لهادي.. لا ارتاح في صنعاء ولاعاش في الشام)
وحتى لايفهم منشوري خطأ فقد خلطت الجد بالهزل.. الجد تلميحاً والهزل ترويحاً.. وللذكريات بقية.