السياسة في اليمن: صعود الفارغين على أنقاض الأزمات
عرفات عبدالرحمن
في بلد تمزقه الحروب وتنهشه الأزمات، تبدو السياسة في اليمن وكأنها مسرحية عبثية، يُسمح فيها لكل من يملك صوتاً عالياً أن يتصدر المشهد. لا يحتاج السياسي اليمني إلى رؤية، ولا إلى خبرة، بل يكفيه جرأة الوقوف بثقة أمام شعب مرهق، ليُطلق وعوداً فارغة وشعارات مستهلكة. في هذا البلد، لا يتطلب الصعود إلى الواجهة ذكاء أو عمقاً، بل خفة تشبه خفة الزبد الذي يطفو على سطح الماء، فارغاً، بلا قيمة.
السياسي اليمني نموذج صارخ لهذا المشهد، حيث يبدو أن الغباء السياسي – أو ربما الغباء المتعمد – يمنح صاحبه الثقة المطلقة للحديث عن الوطن وكأنه يملك مفاتيح الخلاص، في حين أنه جزء من المشكلة. إنه هنا يتصدر المشهد ليس لأنه الأذكى أو الأقدر على القيادة، بل لأنه الأكثر جرأة على الكلام الفارغ، وعلى تقديم الوعود التي لا أساس لها، وعلى ترديد الشعارات التي تجذب الساذجين. في بلد يعيش على وقع الحرب والفقر والتشرذم، يفترض أن السياسي يحمل رؤية، خطة، ومسؤولية. لكن، على العكس تماماً، تجد كثيراً من السياسيين اليمنيين يظهرون فجأة، كأنهم قفزوا من العدم إلى الواجهة. ما الذي رفعهم؟ ليس الإنجاز، بل تلك الثقة الوقحة التي تجرأوا بها على صعود المنابر والتحدث بأسم الناس، رغم أنهم لم يقدموا لهذا الشعب سوى المزيد من الخراب. السياسي اليمني، في أغلب الأحيان، لا يفكر أبعد من مصالحه الآنية. يطفو على السطح لأنه خفيف؛ خفيف في مسؤوليته، خفيف في وطنيته، وخفيف في عقله. لكنه يمسك زمام الأمور بثقة الغبي الذي لا يدرك حجم الكارثة التي يديرها. ويستمر في التقدم ليس لأنه الأفضل، بل لأن الناس إما منشغلون بأوجاعهم، أو أنهم فقدوا الأمل في جدوى التغيير. ولكن الغباء السياسي لا ينتهي هنا. فهو يخلق دائرة مفرغة من السقوط. كلما سقط واحد، صعد آخر بنفس النهج، وكأن السياسة في اليمن ليست إلا لعبة كراسي. والنتيجة واحدة دائماً: بلد يغرق أكثر، وشعب ينتظر المنقذ الذي لن يأتي، لأن من يتصدرون الواجهة هم أول من يهدمون كل أمل. لذا، حين تنظر إلى من يتصدر المشهد اليمني فجأة، اسأل نفسك: هل يحمل هذا السياسي مشروعاً حقيقياً؟ أم أنه مجرد تجسيد جديد للثقة التي تمنحها البلادة؟
الحقيقة أن السياسي اليمني ليس قائداً، بل متطفل على معاناة شعب منهك، يتغذى على اليأس ويقتات على بقايا بلد ممزق. كل خطاباته ليست إلا ضجيجاً يضاف إلى فوضى لا تنتهي، وكل وعوده ليست إلا حبلاً جديداً يشنق به ما تبقى من أحلام الناس. وفي بلد كهذا، يبدو أن الزبد ليس عابراً، بل قد تحول إلى مستنقع.