شاهدت منشوراً في حساب الأستاذ نبيل الأسيدي Nabil Alosaidi حول مناقشة رسالة ماجستير في جامعة تعز بعنوان “قواعد قيام الدولة الراشدة في فكر الدكتور فؤاد البنا”، هذا العنوان يعكس بجلاء مستوى السقوط الأكاديمي الذي أصاب بعض الزملاء الأكاديميين، وتحديداً الزميل الذي أشرف على هذه الرسالة، ولجنة المناقشة، الذين قبلوا مناقشة رسالة هي مجرد ورقة دعائية تروج لشخص دون وجه حق، وأتذكر عندما أعاد لي أستاذي الدكتور محمود الكردي المسودة الأولى لرسالتي للماجستير، حيث وجدت أنه قد شطب اسمه وأسماء أساتذة علم الاجتماع المصريين الأخرين، الذين استشهدت بآرائهم في متن الرسالة، وعلق قائلاً: لا تورد في متن الرسالة سوى أسماء علماء الاجتماع الأعلام، أمثال ماكس فيبر وأميل دوركيم وعبدالرحمن ابن خلدون، أما أساتذتك في الجامعات العربية، فاكتب: “يرى أحد الباحثين أن …”، ثم اثبت اسمه في الهامش مجرداً من أي لقب علمي، أي لا تكتب الدكتور فلان.
باختصار شديد، فإن الأوراق التي ضمتها هذه الملزمة بين دفتيها، لا تصلح لأن تكون رسالة علمية، ولا يستحق معدها درجة الماجستير، ولأن المجال لا يتسع لمناقشة الموضوع مناقشة تفصيلية، سألخص أهم ملاحظاتي فيما يلي:
أولاً: لست أدري ماذا يقصد الطالب بمصطلح “الراشدة”؟ هل استخدمه كترجمة لمصطلح رشيد “rational”، أم استخدمه كما يستخدم بعض الكتاب مصطلح الحكم الرشيد “god governance”، وإذا كان قد استخدمه كذلك، فهو استخدام غير جائز، لأن الدولة لا توصف بأنها رشيدة، والذي يوصف بالرشيد هو الحكم والحكومة، وهناك فرق كبير بين الدولة والحكومة. أما إذا كان قد اقتفى أثر الكتاب الذين يستخدمون مصطلح “الراشدة” لوصف الخلافة الإسلامية، فهو استخدام غير جائز أيضاً، فهناك فرق كبير بين الدولة والخلافة، فالخلافة مؤسسة دينية والدولة مؤسسة سياسية.
ثانياً: لم يوفق الطالب باستخدام عبارة “قيام الدولة”، لأن العبارة توحي بأن الدولة تقوم من تلقاء نفسها، وهو أمر لا يحدث في الواقع، ولم يسبق أن قال به أي مفكر أو حتى باحث في العلوم السياسية أو علم الاجتماع السياسي، فالدولة هيئة مُصطنعة “artificial”، يؤسسها الناس، ولا تؤسس نفسها بنفسها، والمصطلح المتعارف عليه في الفكر السياسي لوصف هذه العملية هو “بناء الدولة”.
ثالثاً: أن عملية بناء الدولة ليست عملية نمطية، تتكرر بنفس الخطوات والإجراءات في كل زمان ومكان، بل هي عملية متغيرة ومختلفة وتختلف من دولة إلى أخرى، وبالتالي لا يجوز استخدام كلمة “قواعد”.
رابعاً: قمت هذه الليلة بالنبش في شبكة الانترنت، باحثاً عن الانتاج الفكري للزميل الدكتور فؤاد البنا حول الدولة، فلم أجد شيئاً، وبالتالي فإن فكر الزميل الدكتور فؤاد لا يصلح أن يكون موضوعاً لرسالة أكاديمية حول الدولة، فعلى الرغم من أنه يقول على حسابه في الفيسبوك بأن له 49 كتاباً مطبوعاً، ولاحظ أنه لم يقل منشوراً، بل مطبوعاً، حيث معظم كتبه هي في الحقيقة ملازم، يقررها على طلابه في الجامعات الخاصة التي يدرس فيها، ويطبعها في مطابع، وفي إدارات حكومية في الدوحة، ومكاتب طباعة، كمكاتب الطباعة المنتشرة عند بوابات الجامعات في صنعاء وتعز، ولا يوجد له كتاب واحد منشور في دار نشر معتبره، ومن المكتبات والإدارات الحكومية التي نشر فيها: دار البشير، القاهرة، منتدى الفكر الإسلامي، جامعة أفريقيا العالمية (جامعة سيئة السمعة الأكاديمية في السودان، حصل منها على درجة الدكتوراه)، مكتبة دار التوزيع والنشر الإسلامية بالسيدة زينب، مكتبة خالد بن الوليد، صنعاء، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالدوحة، نفت للخدمات العامة، مركز الكتاب الجامعي، بجامعة العلوم والتكنولوجيا، صنعاء، عدن للطباعة، إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، الدوحة.
فضلاً عن ذلك فإن معظم مؤلفات الزميل فؤاد البنا يغلب عليها الطابع الإيديولوجي للإسلام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين تحديداً، ولم أجد عنواناً واحداً حول بناء الدولة، ومن كتبه التي وجدت أسمائها في شبكة الانترنت، الكتب التالية: الإخوان المسلمون والسلطة السياسية في مصر، مردة سليمان – قصة الرؤوس التي أوجدت إسرائيل، إيجاز البيان في إعجاز القرآن، حاضر العالم الإسلامي ومعضلاته، العالم الإسلامي بين التخلف الحضاري ورياح العولمة، الإسلام بين الثوابت والمتغيرات.تيارات التجديد في الفكر الإسلامي الحديث، مباحث في الثقافة الإسلامية، تدبر القرآن ودوره في النهوض الحضاري بالمجتمعات الإسلامية، جواهر التدبر، مقاصد الصلاة بين حقوق الله وحقوق الإنسان، الخصائص العامة لحقوق الإنسان في الإسلام، إنتقام الأفكار – عوامل الإعاقة الحضارية في تدين المسلمين، خاتم سليمان – توسل اليهود بالجنس لتطويع الأغيار، التفكير الموضوعي في الإسلام، عبقرية فتح الله كولن، العروج الحضاري بين مالك بن نبي وفتح الله كولن، أسماء السور ودورها في صناعة النهضة الجامعة.
ملاحظة: أتوقع تعليقات بذيئة وحملة تشويه وسب من محبي الزميل الدكتور فؤاد البنا.