خمسون ريال كأنها الوطن

خمسون ريال كأنها الوطن

محمد عارف الصلوي

أمس ركبت باص وفي جيبي مائة وخمسين استقليت الباص وأثناء نزولي اعطيته خمسين ريال في حالة رثة كانها البلد , أول ما نظر إليها رفض أخذها لكني أصريت وقلت له ” أخذتها من صاحبك , صاحب باص زيك ” فأخذها وهو يعظ على أسنانه بقوة ويتمتم بكلمات لم أفهمها ويولع حبة سيجارة جديدة , لم أجد سواق يتعاطى السيجارة بهذا الشكل من الشراهة وكأنه أخر يوم له في التدخين .

فكر السواق بعد أن أكمل فحص كافة الركاب بنظرة خاطفة بأن يعطي هذه الخميسن لأحد من هولاء فوقع الإختيار على رجل أحمر العينيين نتيجة السهر الذي لحق به أثر طلاقه لزوجته قبل يومين بسبب ” دبة ماء “نزل من الباص بعد نزولي بدقائق أخذها الرجل دون النظر إليها .

لم تتوقف الخميس هنا لكن ذلك الرجل أعطاها لسواق ثلاثيني العمر كل ما يفكر به الأن ماذا سيفعل إذا كملت دبة البترول عليه وهو في نصف شارع هائل؟ لم تستمر معه طويلاً حتى ارجعها لمرأة تأرملت قبل ثلاث سنوات وقبل صعودها للباص جاءها خبر من أولادها بأن دبة الغاز أعلنت أفراغها , وهي في حالة صعبة لم تمتلك قيمة تعبة دبة غاز جديدة , ظلت الخمسين في شنطتها أكثر من ساعتين حتي رجعتها إلى سواق يعمل في الصباح مدرس وفي المساء سواق باص يحاول من خلال الشغلين توفير قيمة العلاج لأحد أبناءه المصابيين بمرض الكلى ويحتاج لغسيل أسبوعي , استلمها السائق وشاهدها لكنها أخذها كما فعل زملاءه السابقين .

هكذا أستمرت تلك الخميسين تتنقل بين سائق وراكب طيلة النهار وفي أخر اليوم وصلت إلى سائق يسوق بتهور يحاول نسيان المصيبة النازلة عليه أثر قرار اتخذه مؤجر شقته بإخراجه كونه لم يسدد الإيجارات منذ ثلاث أشهر يمتلك باص قديم لكن صوت مسجلته عالية أستمرت معه لنصف ساعة حتى أعطاها لشاب أسمراني ظل صامت طيلة مشواره لم يلتفت يمين أو شمال عيونه فقط مصوبة للأمام وعقله يفكر كثيرا , من هيئته يوحي لك بأن هموم السائقين والركاب السابقين مرمية على ظهره , أثناء نزول ذلك الشاب اعطاء له السائق الخمسين نظر إليها ورفض أخذها لكن السواق رد عليه أخذتها من صاحبك , راكب زيك ” عادت الخميسن إليّ وأنا اعظ على أسناني بعنف وأقول غدا لك مشوار أخر لكن عليك ان تأتي في يد راكب ما زال يستلم راتبه .

2017