ضع اعلانك هنا

تطبيع الحياة المدنية في عدن 

تطبيع الحياة المدنية في عدن

د. عبدالله عوبل

 

أقام احد المنتديات العدنية صباح السبت ١٣ / ٥ / ٢٠٢٣ ندوة ثقافية تحت عنوان ” تطبيع الحياة المدنية في مدنية عدن وأستعادة تطبيق القانون ” وكان الموضوع حيويا يستحق الوقوف أمامه ووضع تصورات الحاضرين أمام صانع القرار في السلطات المختلفة. لكن نظرا للغبن الذي يشعر به أبناء عدن من الإقصاء في ادارة المدينة والشأن العام، فقد ذهب الحديث للتنفيس عن ماجرى ويجري لمدينتهم، فتوزع بين الحديث عن ماضي المدينة الجميل، وبين المظالم وإهمال الخدمات العامة والعمل المؤسسي، وهم معذورون في ذلك.

تطبيع الحياة المدنية من وجهة نظري مصطلح ملائم، فقد أدت الحرب الثانية على المدينة في ٢٠١٥ الى انهيار المؤسسات الذي أدى بدوره الى التوقف عن تطبيق القانون، وللأمانة لم يكن هذا الانهيار وليدا للحظة ٢٠١٥، بل منذ الحرب الأولى الظالمة في العام ١٩٩٤م ، بدأ التراخي في مجال القضاء وتدخلات السلطة العليا في كل شأن، وتدخل الغرف القبلي وكل منظومة القيم القبلية في السياسة وقضت التعديلات الدستورية المتكررة على معظم حقوق المواطنة فيما اعطت الرئيس صلاحيات مطلقة. وقد انتقصت القوانين من حقوق المرأة فيما تقلصت العقوبات الرادعة خصوصا تلك المتعلقة

بالمخدرات وتهريب الآثار وغير ذلك.

 

تعاني المدينة العتيقة منذ إعتداء ٢٠١٥ من تردي في مستوى الخدمات. الماء والكهرباء والصحة والبنية التحتية عموما. كما تضاعفت حالة الفقر الى أعلى مستوى في مدينة الغالبية من سكانها يعتمدون على الرواتب من الوظيفة الحكومية.

كما تعرضت شخصيات مهمة للأغتيالات ،، وكان الوضع الأمني يتحسن تدريجيا ،، تحسنا نسبيا ،، ويبدو الآن ان المدينة مستقرة نسبيا الا من بعض مشاكل الاراضي معظمها في الضواحي. الفساد يهدم كل شيء القيم والنظام ويصعب ادارة الموارد. لذلك تطبيق القانون مازال بعيدا. نظرا لعدم توفر النظم المؤسسية التي تؤسس لسيادة القانون،،

ونظرا لعدم حضور الدولة فقد بدأت على المستوى الشعبي تكوين موسسات بديلة أو مساعدة لتحقيق الأمن المجتمعي والمساعدة على حل المشاكل الاجتماعية في مسعى لمساعدة مراكز الشرطة والسجون والقضاء. ذلك ماصار يعرف باللجان المجتمعية في الاحياء السكنية ثم اضيف اليها لجان المصالحة ،، وتلك مؤسسات تبدو الحاجة المجتمعية ماسة اليها وتؤدي دورا مهما في تكاتف عمل هيئات السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع المحلي.

 

تطبيع الحياة المدنية.

في الواقع تطبيع الحياة المدنية يعني عودة النظام والقضاء على الفوضى وجعل حياة الناس تبدو سلسلة وبما يوفر للناس حد أدنى من البنى التحتية بحيث تستقر حياتهم ويمارسوا انشطتهم بصورة طبيعية.

 

عناصر تطبيع الحياة المدنية

 

التطبيع الأمني

يتقدم عنصر الأمن على بقية عناصر التطبيع. توفير الأمن يعني تحقيق استقرار حياة المجتمع وتركيز الجهد على التنمية.

يتطلب الأمن حد أدنى من التوافق السياسي لدى النخب والأحزاب والمصالح والجماعات. التناقضات الاجتماعية تتطلب ادارة كفوءة لهذه التناقضات. وعدم توفر هذه الادارة يعني استمرار التوترات الاجتماعية وتحولها الى عنف وحروب. ان كل فوضى أمنية وعدم أستقرار مصالح ام تلبى وقوى اجتماعية أو سياسية ام تهميشها او الاعتداء على مصالحها. السياسة هي التي تدير هذه التناقضات ويوفر النظام السياسي حد أدني من التوفيق بين مصالح القوى والفئات والجماعات السياسية والعرقية أو الطائفية.

إن على السلطات القائمة في عدن أن تدرك ان أستقرار الأوضاع الأمنية لا يتم عن طريق العنف المخالف للقانون. فليست الدولة الان هي التي تحتكر القوة والسلاح. فأول شرط أن يكون السلاح بيد الدولة. والشرط الثاني. هو عدم تهميش الفئات الإجتماعية وتجاوز مصالحها. أن موضوع الأمن موضوع سياسي بأمتياز. والمعالجات للمشكلات الاجتماعية يجب ان تتم عن طريق الوسائل السياسية والحوار. إن القوة المفرطة تتحول الى كابوس دائم تتخذ ردات الفعل عليه وسائل مشابهة كما تنتج عن ذلك أحقاد وكراهية وعنف مضاد. ناهيك عن موضوع الارهاب الذي يجب ان يعالج ليس فقط بالعنف. القوة أحدى الوسائل وليست الوسيلة الوحيدة. ان الرضاء الاجتماعي عن أداء السلطات المركزية والمحلية يمثل شرعية حقيقية. وبشكل عام يمكن القول إن تحقيق حد أدنى من الحياة الكريمة للمواطن يمكن ان يؤدي الى خفض درجات الفوضى وعدم الاستقرار.

إن عدم انتهاج سياسة حكيمة تراعي مصالح المجتمع بكل فئاته. وتتحد رؤية الدولة مع ثقافة المجتمع والأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع وعدم تهميش أي طرف هو السبيل الأمثل لجعل الحياة المدنية طبيعية ومستقرة. إن بعض الدول تحرص على ان لا يتعرض المجتمع لأي هزة تفقده أستقراره وأمنه. ويكون عادة النظام التعليمي اداة في إعادة إنتاج المجتمع كالمجتمعات الأوربية للحفاظ على الاستقرار أو تغيير المجتمع نحو الأفضل ولكن بتوافق مصالح كافة الفئات والقوى الاجتماعية

وعلى ذلك فأن مدينة عدن تحتاج الى دراسة القوى الاجتماعية الفاعلية فيها. وكيف يمكن التوفيق بين مصالح السكان والحد من التوترات الاجتماعية التي تحدث نتيجة الصراع على السلطة أو حول توزيع القوة. ولذلك أقول ان ليست النقاط العسكرية هي التي تحل موضوع الأمن بل السياسات الناجعة التي لا تستثني أحدًا.

لابد من عمل حساب للنظم الفيدرالية في ادنى مستوياتها. مشاركة السكان في أختيار مسؤوليهم وحق عزلهم. هذا الحق يجعل الإدارة تؤمن حد أقصى من المشاركة في القرارات الهامة التي تخص المجتمع.

 

التطبيع الثقافي

أهم شرط لمعرفة تعافي الحياة المدنية هو ان تعود الثقافة الى الأحياء السكنية. أن يعود المسرح والسينما والحفلات الفنية وتشجيع الفن التشكيلي وقيام معارض فنية ومعارض الكتب والاستثمار في هذا المجال لا يشجع القطاع الخاص لان الارباح فيه غير منظورة. تشجيع الملتقيات الشعرية وودهم الرواية وطباعة الكتب. انتعاش الحياة الثقافية يعني ان المجتمع قد بدأ يتعافى.

تشجع الفرق الرياضية في المدارس وأحياء المجلات الحائطية وإعادة حصص الرسم والموسيقى في المدارس مهم في تطبيع الحياة المدنية.

العودة الى النظام المؤسسي

 

ان إعادة بناء المؤسسات والعمل بالدستور والقوانين السارية حتى يتم إعادة اقرار قوانين جديدة لايمكن ترك المجتمع بدون قوانين بحجة ان الدستور والقوانين ل ج ي قد انتهت ،، أما ان يوجد قانون بديل يتم تطبيقه أو العمل بالقوانين القديمة حتى تستقر الحياة المدنية. هذا الفراغ القانوني والدستوري الذي نشأ نتيجة الحرب كان سببا في سيادة الاعراف القبلية في مكان القانون .. ان شرطا جوهريا لأعادة البناء المؤسسي هو ابعاد القبيلة عن السياسة، مثل ابعاد رجال الدين عن السياسة. ان السياسة شأن دنيوي ولاعلاقة للقبيلة بالسياسة ،، لكن عدم الاحتكام للقانون يعني سيادة عرف القبيلة والقبيلة لا مشروع تنموي لديها. انها عودة خاوية للماضي فارغة من أي مضمون.

للحديث بقية

ضع اعلانك هنا