همس اليراع
المتطفلون على التاريخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عيدروس نصر
عند ما يكون الغل والضغينة هما دافع الكتابة، فإنه لا يمكن الوصول مع (الكاتب المفترض) إلى أي حصيلة لها علاقة بالمعرفة وبناء الوعي وصياغة خلاصات ذات صلة بالوقائع والحقائق، ومقاصد التبصير والتنوير، وإنما يكون كل الهدف هو صناعة الزيف وتشويه الحقائق وتحريض الجهلة وأنصاف المتعلمين الذين تكتظ بهم الساحات الواقعية والافتراضية، والذين في الغالب يكونون همُ الأعلى صوتاً والأكثف حضوراً.
ما جعلني أتوقف عند هذه النقطة هو ما قرأته لأحد الأدعياء المتكاثرين هذه الأيام ممن يتصنعون المعرفة ببواطن الأمور، في ظل الأزمات المتناسلة التي استرزق من ورائها الكثيرون وصعد بفضلها عشرات المجهولين إلى صدارة المشهد بالتطفل على التاريخ.
من أتحدث عنه راح يلفق بعض الكلام السطحي والخالي من المضمون، لغرض في نفس الأباليس التي توسوس في صدره لكتابة ما يكتب فقام بتصنيع المعلومات الزائفة واستدعاء خياله المريض ليكتب من خلال كل هذا تاريخ الجنوب، كما يحلو له هو أو كما وسوس له الخناس.
ولأنني لا أود التعرض للأسماء ولا للتبعيات فسأكتفي بتناول بعض العبارات التي وردت في مناقشة هذا (الكاتب المفترض) للأصوات التي ترفض تجزئة الجنوب والعبث بتركيبته الجغرافية والديمغرافية إرضاء لأهواء أساطين الحروب وتجارها، ويزعم أن أصحاب تلك الأصوات الجنوبية إنما يعتبرون “تقسيم اليمن واجب وتقسيم الجنوب كارثة”، وراح يناقش فيها مقالاً للدكتور يس سعيد نعمان الأمين العام السابق للحزب الاشتركي اليمني، حول تشكيل ما عُرِفَ بــ”مجلس حضرموت الوطني”.
ولأنني لا أتحدث باسم الدكتور يس سعيد نعمان، الذي لدي اليقين الكامل بقدرته على الدفاع عن آرائه، كما لا أتحدث باسم الحزب الاشتراكي الذي لديه أجهزته وناطقه الرسمي، ووسائله الإعلامية، فإنني سأكتفي بكشف ما يحتويه مقال ذلك (الكاتب الدعيِّ) من خذلقات وفبركات وادعاءات وتلفيقات، بل ومتناقضات ينسف بعضها بعضاً.
يصف صاحب المقالة قيام الحزب الاشتراكي بعملية توحيد سلطنات ومشيخات وإمارات الجنوب في نوفمبر 1967م بأنها عملية ” تمت عبر العنف بأبشع أشكاله، تبعها بسياسات صارمة لمحو الهويات السياسية والثقافية للكيانات التي قام بتدميرها”.
هنا يمكن التوقف عند نقطتين:
الأولى: إن صاحبنا لا يفهم شيئاً عن هذا التاريخ، لأن الحزب الاشتراكي لم يقم إلا بعد أكثر من عشر سنوات على قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي وحدت كل إمارات وسلطنات الجنوب في إطار دولة واحدة لأول مرة منذ مئات السنين، أما عملية التوحيد ذاتها، فقد جاءت قبل الثلاثين من نوفمبر بسنوات حينما انخرط ألآلاف من المنتميين إلى هذه الكيانات في العمل النضالي المدني والمسلح لمواجهة الاستعمار، ولم يكن يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م سوى تتويجٍ عمليٍ لهذه الوحدة التي جسدتها النضالات الوطنية الطويلة والمريرة التي خاضها أبناء الجنوب.
الثانية: أن حديث أخينا عن الهويات يكشف عدم درايته حتى بتعريف مفهوم الهوية ولن نخوض في هذا طويلاً، لكن ما لا يدركه عميان البصيرة أن الهوية هي حالة متحركة وليست ثابتة، تتسع وتضيق تولد وتكبر وتشيخ وقد تضمحل وتزول، تتداخل مع سواها من الهويات حينما تقوم المشتركات فيما بينها وتنفصل عن بعضها حينما تغيب عناصر التوحد والمشاركة، وفي هذا السياق، يمكن لمن أراد أن يفهم التاريخ الجنوبي، أن يدرك أنَّ التراجع النسبي للهويات الداخلية المناطقية على الجغرافيا الجنوبية قد جاء على خلفية نشوء هوية جديدة اسمها الهوية الجنوبية التي غدت أغنى مضموناً وأكثر اتساعاً وأوسع أفقاً للانفتاح والتمدد والنمو على أرض الجنوب، لكن أحداً لم يلغِ هوية أحدٍ فقد ظلت الخصائص التي نشأت عليها (تلك الهويات) جزءً من الهوية الجنوبية الأم، فكان الفن اللحجي مكملاً للفن في حضرموت وأبين وظلت اللهجة المهرية والسقطرية قائمة وما تزال حتى اليوم، وبقيت العادات والتقاليد الريفية في شبوة وأبين ويافع والضالع والصبيحة وبقية مناطق الجنوب واكتسبت مضامين جديدة في ظل الهوية الجديدة التي صارت أم الهويات الجنوبية الصغيرة، ولأول مرة احتفل كل الجنوب في ظل دولة 30 نوفمبر بذكرى الشهداء السبعة في محافظة حضرموت التي تتصل بمقاومة وهزيمة الغزو البرتغالي قبل مئات السنين، لكن من أين لهؤلاء المضللين أن يفهموا هذه التفاصيل الغريبة على ثقافتهم ونفوسهم المريضة.
والحقيقة إنه كان من المفترض أن لا نناقش مثل تلك التفاهات لأن مناقشتها ستعطي أهمية لأصحابها وترفع عنهم العزلة التي يعانون منها بسبب إصرارهم على تقديس الخيبات والخائبين ومحاربة النجاحات والناجحين، لكن من باب إنصاف الحقيقة نذَكِّر هذا (الكاتب) وأمثاله بأن السلطات البريطانية في الجنوب قد عرضت على السلاطين والمشائخ فكرة تسليمهم السلطة بعد انسحابها من “الجنوب العربي” لكن معظمهم رفض استلام السلطة إلّا باستبقاء الوجود البريطاني لفترة أطول، بينما كانت بريطانيا قد قررت الانسحاب بشكل نهائي بعد أن ذاقت ما ذاقت من الضربات الموجعة التي تلقتها قواتها على أيدي أبطال الجبهة القومية وجبهة التحرير المدعومتين من جميع القطاعات المدنية والعسكرية في كل مناطق الجنوب، ومعهما كل الأحزاب والمكونات السياسية الجنوبية المدنية الرافضة للوجود الاستعماري، وبفضل الدعم العروبي المقدم من قبل قيادة الثورة المصرية بزعامة القائد الخالد الزعيم جمال عبد الناصر رحمه الله، عبر قيادة الجمهورية العربية اليمنية آنذاك بقيادة المرحوم المشير عبد الله السلال .
لا يستطيع صاحبنا أن يفهم أنَّ قيام دولة واحدة على خلفية أكثر من 23 دويلة يعتبر واحداً من أهم المنجزات التي حققتها ثورة الرابع عشر من أوكتوبر، وهو خدثٌ قلما تحقق في إقليم عربي منذ قرون، لكن صاحبنا راح يصطنع (البشاعة) ويصور الأمر من خياله المريض بأنه جريمة تاريخية، تجب معاقبة صانعيها، وتلك عجيبة من عجائب هؤلاء الأدعياء الذين يقولون الشيء ونقيضه، ويمتدحون الحدث حينما يريدون ثم يدينونه لتسخير تلك الإدانة في معاركهم الخاسرة.
الكذب والتلفيق ليسا غريبين على أمثال هؤلاء فهما السلاح الوحيد الذي يمتلكونه، لكن الغريبة أن الرجل يتباكى على سلطنات وإمارات ومشيخات ما كان يعرف بــ”الجنوب العربي” بيد إنه والعشرات من أمثاله يصابون بالهستيريا ونوبات التشنج وفقدان التوازن عندما يقول مواطنٌ جنوبيٌ إنه من”الجنوب العربي”.
وبالعودة إلى قصة التوحيد عن طريق “العنف بأبشع صوره” كما يصورها صاحبنا تنبغي الإشارة إلى أن كل الفئات والشرائح الاجتماعية والوطنية في كل محافظات الجنوب قد دخلت طوعاً في إطار دولة الاستقلال الفتية ممثلةً بــ”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” واختار الكثير من السلاطين والمشائخ وزعماء القبائل، الإقامة في المهجر حينما اكتشفوا أنهم إزاء تاريخ جديد لم يكونوا جاهزين لمجاراته ناهيك عن قيادته.
بيد إن ما لم يفهمه هؤلاء الأدعياء أن زمن الدويلات والكنتونات المجهرية كان قد استنفد عمره الافتراضي، ولم يعد بمقدوره البقاء في زمن الكيانات الوطنية الكبيرة والدول الحديثة التي مثلت دولة الاستقلال الوطني في الجنوب إحدى صورها الناصعة، ونشير هنا إلى أن كل هذا بطبيعة الحال لا يقلل من الأدوار الوطنية للعديد من الزعماء القبليين والسلاطين والمشائخ الذين قاوموا الاستعمار البريطاني ومخططاته، وإجهروا بمطالبتهم بخروج الاستعمار، لكن هذا ليس موضوعنا في هذه الوقفة.
والعجيب أن الرجل تنتابه الغيرة والغضب من وحدة الجنوبيين في دولة واحدة، بينما يصر بطريقة أشبه بالغريزية على ما يسميه وأشباهه بــ”وحدة اليمن” ما يدفعنا للسؤال: كيف كنت يا صاحبي ستبني “وحدة اليمن” مع 23 دويلة وإمارة وسلطنة من تلك التي تتباكى عليها؟ وأنت ومن يتبنون مشروعك تعتبرون توحيد الجنوب في دولة واحدة جريمة “بشعة” ينبغي عقاب من قام بها؟؟
يتهم الرجل الذين طالبوا بدولة يمنية بإقليمين “شمال وجنوب” بأنهم كانوا يمهدون “للعودة عن وحدة 22 مايو الاندماجية”.
والحقيقة أن ما يحير المتابع ليس التلفيق والتزييف للمعطيات، لكن هو ذلك العناد الذي يلخصه العرب بمقولة “عنزة ولو طارت”.
إننا نسألكم يا هذا: أنتم تقولون أن الدعوة إلى إقليمين هي تمهيد للانفصال والتراجع عن وحدة 22 مايو، وبهذا المنطق إنكم تؤكدون أن فكرة الأقاليم ستؤدي إلى الانفصال، فإذا كان كل إقليم سينفصل فالمؤكد أن الانفصال هو أمر وارد، بإقليمين أو بستة أقاليم، وبحسب هذا المنطق فسيكون ما تتغنون به من مرجعيات، وأعني هنا مخرجات حوار صنعاء وقرار الأقاليم الستة، هي مقدمة لقيام ست دول بدلاً من دولتين.
ومع ذلك يجب أن يعلم أمثال أخينا هذا أن غالبية الشعب الجنوبي ترفض حتى فكرة الفيدرالية بإقليمين ولو مؤقتين، لأن الفيدرالية التي تنتجها الحرب، ويتمسك فيها القابضون على مقاليد الحكم – عفاشيين كانوا أم إصلاحيين أم حوثيين- بنتائج حروبهم ونزعاتهم التسلطية، لا تعني سوى استمرار دولة 1994م بكل جرائمها وعيوبها واختلالاتها وطابعها الجهوي التعسفي الاستبدادي، مضافٌ إليها الشروط السلالية العنصرية التي سيفرضها “أصحاب الكهف” الجدد، والتي لا يدينها صاحبنا ولا يتجرأ على التعرض لها هو ولا أحدٌ من أشباهه بكلمة واحدة ولو على سبيل الذكر.
ثم لماذا نتعب أنفسنا ونتعب القارئ الكريم معنا: لقد حسمت حرب السنوات التسع هذه القضية: حينما تسابق الوجهاء والسياسيون والمشائح والقادة العسكريون ومعهم الكثير من المروجين والمسوقين والمطبلين الإعلاميين في كل محافظات الشمال، لإعلان الولاء المطلق للقادمين من كهوف صعدة، ومن حاول أن يقاوم أبناء الكهف تخليتم عنه وتركتموه يواجه الموت قتلاً وتنكيلاً أو يلوذ بالفرار، بينما تصدى الجنوب بكل فئاته العمرية والاجتماعية وأطيافه السياسية للمشروع الحوثي وفي أقل من مائة يوم كان قناديل وزنايبل الكهف يولون الإدبار من كل محافظات الجنوب دون أن يدفنوا جثث قتلاهم الذين سلموهم مفاتيح الجنة وانصرفوا.
أبعد كل هذا يا صاحبي ما زلت تتحدث عن تراجع أو عدم تراجع عن “وحدة 22 مايو” ؟؟ وأسألك بكل ما تؤمن به من المقدسات: هل تعتقد أن هناك أحمقاً واحداً في الشمال ما يزال يصدق هذه المقولات الخرقاء؟، أقول في الشمال لأن الجنوبيين قد حسموا خيارهم منذ وقتٍ مبكِّر واختاروا استعادة دولتهم بحدودها التاريخية المعروفة ليلة 21 مايو 1990م.
وعطفاً على هذا فإن أطرف ما في هذه الترهات، هي أن يتهم أصحابها من كانوا يطالبون بدولة فيدرالية بإقليمين، يتهمونه بالانفصالية، ولا يتحدثون عن الانفصالية متعددة الأوجه والأشكال التي صنعها حلفاء 1994م وحلفاء 2015م التي حولت (المرحومة) “الجمهورية اليمنية” إلى عدة دويلات وكنتونات وكيانات واقعية وإن كانت غير معلنة.
ويواصل صاحبنا تلاعباته اللفظية التي يحاول أن يستغبي بها متابعيه بقوله ” أن وحدة 22 مايو تمت بطريقة سلمية فيما كانت حرب 94 لمنع الانفصال وليس لفرض الوحدة”، معتقداً أنه بهذه الطريقة (العبقرية) قد خطف ألباب ومشاعر وأفئدة الجنوبيين، وأنهم سيلعنون كل من ينادي باستعادة دولة الجنوب، وسيذهبون زرافاتٍ ووحدانا لوضع أكاليل الورود على قبور عفاش والشيخ عبد الله وأسامة بن لاذن، الذي قدم المال والرجال لغزو الجنوب في حرب 1994م التي يقول إنها جاءت “لمنع الانفصال وليس لفرض الوحدة”.
وكما يلاحظ المتابع الكريم، فإن (الكاتب المفترض) لم يكلف نفسه جهد البحث عن الأسباب والعوامل والدوافع والخلفيات التي أوصلت البلاد إلى حالة الحرب والغزو والاجتياح وما تلاها من تبعات تدميرية نحن نحصد اليوم ثمارها المرة.
لنذهب مع صاحبنا بأن “وحدة 22 مايو قد تمت بطريقة سلمية”، وأن “الانفصال الملعون” قد هزمته “الحرب الجميلة والحبُّوبة” ، وسنتغاضى عن حملات الاغتيالات التي استهدفت أكثر من 150 قائد جنوبي منهم قادة عسكريون وحزبيون ووزراء (ولم يسلم من أذاها رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وعضو مجلس الرئاسة الجنوبيين) منذ الأيام الأولى لما بعد مايو 1990م، حتى فترة ما قبل 1994م وسننسى أن علي عبد الله وعبد الله الأحمر وقعا “وثيقة العهد والاتفاق” في عمان يوم 21 فبراير 1994م ونكثا بها في اليوم التالي بمواجهة وادي دوفس في أبين يوم 22 فبراير، سنتغاضى عن كل هذا ونسأل صاحبنا العبقري: طالما أنتم حريصون على “الوحدة اليمنية” إلى هذه الدرجة من الهوس والإدمان، لماذا قبلتم بجماعة طائفية عنصرية وسلمتموها دولة سبتمبر العظيم، كما سلمتموها الأرض والسلطة والثروة والجيش والأمن دونما مقاومة؟ وهل إصراركم على إخضاع الجنوب لدولة “الوحدة اليمنية” يتضمن إجبار الجنوبيين على الخضوع للجماعة السلالية العنصرية والانخراط في مهرجان تقبيل الرُكَب والخنوع لسلطة (آل البيت) المزيفة؟ أن أنكم ستبقون مسيطرين على الجنوب ولن تفكروا باستعادة صنعاء من هذه الجماعة السلالية العنصرية؟
وباختصار شديد إنه ومن خلال متابعة ما ينشره أشباه هذا الكويتب يمكن الوصول إلى خلاصة فحواها: إنه طالما حكمت الحتمية التاريخية (التي يشمئز صاحبنا من ذكرها) بفشل “الدولة اليمنية الواحدة”، لأسباب هي في الغالب موضوعية، فلن يقبل أمثال هؤلاء بالشمال وحده، والعودة إلى وضع الدولتين، إلا بتفكيك الجنوب، وإنه لا يحق للجنوبيين أن يعاودوا الحلم بدولة مستقرة آمنة ذات سيادة على أرض الجنوب، وإنهم (أي الجنوبيين) أمام خيارين: إما الخضوع لهيمنة أساطين الحرب والسلب والنهب، بكل أصنافهم ومسمياتهم، وإما إعادة تفكيك الجنوب وتحويله إلى شذر مذر أسوأ مما كان عليه قبل 1967م.
نحن لا نخاطب هؤلاء لأن جرعات الغِلِّ والكراهية التي طُعِّموا بها قد فعلت فعلها في أنفسهم وعقولهم لكننا نخاطب أبناء الشمال ومثقفيهم وشرفاءهم من القادة المجتمعيين والنقابيين والمهنيين المحترمين وهم بالملايين، ونذكِّرهم بالحقائق التالية:
1. لقد أخفقت تجربة “الوحدة اليمنية” لأسباب أهمها موضوعية وهي إنها أتت في غير زمانها وفي غياب ظروف نجاحها، وأسباب أخرى ذاتية تتعلق بتباين الأهداف التاريخية بين القيادتين المُتَّحدتين عام 1990م، بين من كان يسعى لقيام دولة حديثة ترتقي بأهلها إلى ما يليق بهم من مستويات العيش والكرامة والعِزَّة، ومن يسعى للسلب والنهب والاستحواذ والإثراء على حساب عذابات الشعبين، وإن إصرار بعض المنتفعين من النزاع حول هذه القضية على إنكار هذه الحقيقة، لا يمثل سوى عبثٍ ومضيعةٍ للوقت في الشعبين والبلدين.
2. إن العودة إلى وضع الدولتين وفقاً لحدود 21 مايو 1990م تمثل مكسباً للشعبين في الشمال والجنوب، ومدخلاً لسلام دائم يكفل الاستقرار والنهوض والتنمية والتعايش بين أبناء الشعبين، ولا يمثل عدواناً من أحدٍ على أحدٍ، بل هو احترام لإرادة الشعبين ورد اعتبار للتاريخ المعتبر والناصع في البلدين.
3. إن الجنوبيين لم ينهبواً شبراً واحداً ولا ريالاً واحداً من أراضي وحقوق وموارد الشعب الشمالي الشقيق ولا ينوون الانتقام لحملات السلب والنهب والاستحواذ والإقصاء والتهميش والتدمير الذي تعرضت له بلدهم وأرضهم، لكنهم لن يقبلوا الاستمرار في حياة التبعية والذيلية والعبث بمستقبل أجيالهم ومصير شعبهم.
4. إننا ندرك أن أكثر من عشرين مليوناً من أبناء الشمال الشقيق أبرياء من كل الجرائم التي ارتكبها الحكام في حق أبناء الجنوب، ونعتقد أن هؤلاء الملايين قد تعرضوا لمثل ما تعرض له الجنوبيون من مظالم وحملات القمع والتهميش والتنكيل والسلب والنهب، لذلك فإن صراع الجنوبيين ليس مع هذه الملايين، بل مع شريحة ضئيلة من المجتمع الشمالي اغتصبت منصة السياسة وراحت ترتكب الموبقات باسم الشماليين الأبرياء من موبقاتها.
5. إنكم إيها الأشقاء الشماليين أحرارٌ في اختياراتكم المستقبلية، وفي التوافق على من يتولى إدارة شؤونكم، ولن يقف الجنوبيون ضد إرادتكم إذا ما اتفقتم على الصيغة التي ترون فيها مصلحتكم بل سيكونون داعمين لخياراتكم كما كانوا على مر التاريخ.
6. إن المصالح المشروعة لأبناء الشمال في مدن الجنوب ومحافظاته ستكون محفوظة بموجب القانون والدستور، وما كان غير مشروعٍ منها سيبت فيه القضاء المستقل وفقا للقوانين والنظم المتبعة في كل بلدان العالم، كما نرى أن أبواب الاستثمار والتشغيل وعبور الحدود بين البلدين بعد استعادة الدولتين ينبغي أن تكون مفتوحة ولا تخضع إلا للنظام والقانون الذين سيفرضان على كل من يجد له مصلحة في العمل والاستثمار والإقامة على أرض الجنوب، وسيكون هذا مطبقا على مختلف الجنسيات والأقوام، وللأشقاء الأولوية قبل الجميع.
فلنتفق على المضي نحو المستقبل ولندع المطبلين ومسوقي الكراهية وزارعي الأحقاد في غيهم يعمهون.