ضع اعلانك هنا

كيف يعيد صراع اليمين واليسار تشكيل الهوية الإسلامية في الغرب؟

كيف يعيد صراع اليمين واليسار تشكيل الهوية الإسلامية في الغرب؟

…………………………………

 

أعلن الملاكم السابق ونجم وسائل التواصل الاجتماعي اندرو تيت Andrew Tate إسلامه. يبدو الأمر حدثاً فردياً، لكنه جزء من معركة أكبر حول معنى الإسلام وهوية المسلمين في الغرب. هي معركة طرفاها اليمين واليسار الغربيان أما الإسلام والمسلمون فهم حتى الآن أداة الصراع.

 

حصل أندرو تيت على لقب أكثر شخص مكروه على التيكتوك بسبب فيديوهاته ورسائله المعادية للمرأة وأفكاره حول الرجولة التقليدية التي تشدد على معايير القوة والخشونة والسيطرة كصفات أساسية لأي رجل حقيقي. ‏أما سبب اعتناقه الإسلام، فهو قناعته عن “دونية” المرأة في الإسلام!

 

أكد تيت في أكثر من مقابلة تلفزيونيّة أن الإسلام هو الدين الصحيح المتبقي، لأنه لا يتسامح مع مخالفيه، ويدعو إلى قتل أي شخص ينتقده. وأكد أنه اعتنق الإسلام لأنه يلزم المرأة بطاعة زوجها والإخلاص له، ويجعل طاعة الزوج الشرط الأساسي لصحة إيمان الزوجة، كما أن عائلة المرأة المسلمة نفسها تقف مع الزوج وتجبر الزوجة على طاعة زوجها والخضوع له!

 

صلابة الإسلام إذاً وعدم تسامحه وموقفه التمييزي من المرأة والمثليين هي الصفات التي دفعت الكثير من رموز اليمين المتطرف في الغرب إلى الاهتمام بالإسلام ونظرته الصلبة والخشنة إلى قضايا الجنسانية والأسرة واستخدامها في صراعهم مع المنافس الليبرالي والتيار النسوي الذي يسعى إلى إنهاء هيمنة الرجل على المرأة وتشويه العلاقات المثلية وتحدي قيم الأسرة التقليدية في الغرب.

 

لم يفوت الطرف الآخر (سواء سميناه الليبرالي أو اليسار الغربي) فرصة استخدام الإسلام والمسلمين كسلاح في الصراع السياسي. أشار الرئيس الأميركي بايدن في حملته الانتخابية إلى الحجاب، وجعل ضرورة الدفاع عن قيم الإسلام محوراً من محاور دعايته الانتخابية، وقدم الديمقراطيون رسومات للنساء المحجبات داخل الكونغرس الأمريكي مع عبارة “حجابي قوتي”، لكسب أصوات الجالية المسلمة، في صفقة مضمونها “أعطونا أصواتكم مقابل دفاعنا عن رموزكم وهوياتكم التقليدية”.

 

غازل بايدن أيضاً الإسلام الشيعي، مُعبراً عن اهتمامه بدراسة فكرة الإمام الغائب. وبرغم أن هذه الاستراتيجيات تعتمد على ترسيخ عزلة المسلمين كهوية ثقافية فرعية بعيدة عن الهوية الأم، إلا أنها مفيدة سياسياً، إذ يتم التعامل مع المسلمين ككتلة واحدة لا كأفراد، ما يسهل حشد أصواتهم في المعارك الانتخابية.

 

لم يفوت جوردان بيترسون المثير للجدل فرصة استغلال الإسلام لمواجهة الخطاب الليبرالي. إلى جانب كونه أحد أبرز علماء النفس وأحد أبرز المؤثرين على السوشيال الميديا ومن المؤلفين الأكثر مبيعاً حول العالم، فإن بيترسون نشط في الجدال المحتدم مع الليبراليين الجدد في أميركا وكندا حول قضايا حرية التعبير والمثليين والإجهاض والتغير المناخي.

وجد بيترسون في الإسلام قوة يمكن استخدامها في هذا الصراع، وكان له أكثر من حوار مع أحد الدعاة المسلمين المتطرفين في الغرب، الداعية محمد حجاب، وقد حاول بالفعل استغلال القاسم المشترك مع الإسلام التقليدي المعادي للنسوية وحقوق المثليين وتقويض سلطة الرجل.

 

اشتهر الداعية البريطاني من أصول عربية محمد حجاب بسبب المناظرات التي خاضها مع أتباع الديانات الأخرى، متبنياً الطريقة التقليدية لأحمد ديدات التي يهدف منها في النهاية إلى إقناع الطرف الآخر بالإسلام.

 

وجد جوردن بيترسون في محمد حجاب جسراً يستخدمه لمخاطبة الأقلية المسلمة في الغرب، ووجد الأخير في أندرو تيت فرصة لإعادة تدوير خطابه حول الإسلام كحل لأزمات الغرب المعاصر. دخل الاثنان في عدد من اللقاءات في جلسات سخرية من كل ما يتعلق بحقوق المرأة والحريات الدينية، والافتخار بالإسلام كأيديولوجيا صلبة، أهم ما فيها عدم التسامح.

 

‏دخل شقيق أندرو تيت على الخط ليطالب المسيحيين بأن يتعلموا من المسلمين الغيرة والحماسة في الدفاع عن نبيهم، وكما يضرب “المسلمون” أي شخص يسخر من نبي الإسلام، فعلى المسيحيين أن يتخذوا المسلمين قدوة ويضربوا أي شخص يسخر من المسيح!

 

تكشف المواقف الثلاثة عما يشبه الاتفاق على استغلال القيم الثقافية المختلفة للمسلمين في إطار الصراع السياسي بين اليمين واليسار، أو بين المحافظين والليبراليين. ولكي تنجح مساعي تحويل المسلمين إلى سلاح فتك أو بالأصح قنبلة موقوتة فلا بد من:

 

أولاً: تكريس عزلتهم والاحتفاء بتخلفهم باعتباره تعدداً ثقافياً.

 

ثانيا: الاعتراف بهوية ثابتة غير متغيرة للمسلمين والوقوف ضد كل مساعي تغييرها.

 

ثالثا: الاعتراف بأن هذه الهوية المختلفة في أفكارها الثقافية والدينية يمكن استغلالها واستخدامها سلاحاً في الصراع السياسي والثقافي بين يمين الغرب وليبرالييه.

 

يمكن أن يستخدم اليمين الأميركي الأيديولوجيا الإسلامية، أداةً للدفاع عن قيم الأسرة والزواج التقليدي ورفض سياسات دعم المثليين ورفض حق الإجهاض والاحتفاظ بالعلاقات البطريركية بين الرجل والمرأة وغيرها من القيم التقليدية التي يشترك فيها اليمين المحافظ مع الثقافة الإسلامية التقليدية.

 

القيم التقليدية الإسلامية تشكّل بالنسبة إلى اليسار مورداً أيديولوجياً مهماً لمواجهة القيم “البيضاء”، كالزواج التقليدي الأحادي، والعلمانية، والاندماج، لمصلحة قيم النسبوية الثقافية وتقسيم المجتمع إلى أقليات متناثرة. واستغلال الخشونة الإسلامية لرفض خطاب التنوير الأوروبي حول عالمية حقوق الإنسان.

ألقي القبض راهناً على تايت في رومانيا بتهم غامضة، تتعلق بالاتجار بالبشر واستغلال نساء جنسياً، إلا أن هذا لم يؤثر في شعبيته سواء في الغرب بين الرجال الغربيين الخائفين على رجولتهم أو في الشرق بين المسلمين المفتخرين بالمسلم الجديد. لم يمنعه تورطه في الاستغلال الجنسي وصناعة محتوى إباحي من الاستشهاد بالآية 30 من سورة الأنفال “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” للدفاع عن نفسه ضد الاتهامات.

 

نصح تايت مقدم أحد البرامج التي استضافته باعتناق الإسلام إن كان يبحث عن زوجة صالحة تطيعه وتكرس حياتها كلها من أجله وأن يتوجه إلى دبي ليتعلم الإسلام هناك!

 

هناك مخاوف في الغرب من أندرو تيت الذي قد يتحول إلى حركة اجتماعية بين الشباب وبين الرجال تسعى للدفاع عن قيم الرجولة التقليدية، بخاصة بعد تراجع أداء الرجال عموماً في التحصيل الدراسي والإنجاز الوظيفي والوصول إلى المناصب العليا في المؤسسات والشركات التي صارت المرأة تحصل على نصيب مهم منها.

 

‏وجد بعض معادي السامية في الإسلام حليفاً في العداء المسيحي التقليدي لليهود باعتبارهم “قتلة المسيح”، ووجدوا في المسلمين حلفاء في الإيمان ضد نظرية المؤامرة التي ترى أن إياد يهودية خفية تحكم العالم من خلف الستار، ووجد الذكوري الآخر والمعادي للسامية نجم الهيب هوب كانييه ويست في تيار “أمة الإسلام” وزعيمه لويس فرخان معيناً لا ينضب لمعاداة اليهود.

 

‏يبدو أن فئة من الشخصيات العامة في الغرب تريد الحفاظ على صورة معينة من الإسلام، ذاك التقليدي الماضوي المعادي للحداثة. وإن عجز عن إيجاد هذه الصورة في الواقع، فيخلقها من مخياله الاستشراقي. ألغت السلطات الكندية عام 2021 محاضرة لنادية مراد، الناشطة اليزيدية الفائزة بجائزة نوبل وإحدى ضحايا جرائم “داعش” ضد اليزيديين في العراق، وكان مبرر إلغاء المحاضرة أنها قد تؤدي إلى إثارة مشاعر الإسلاموفوبيا!

 

الإسلام‏ بالنسبة إلى الغرب يميناً ويساراً واحد، لا يوجد خطابات إسلامية متعددة، واستغلال الإسلام يتطلب، بحسب هذا الفهم القاصر، الدفاع عن الإسلام ككل بما في ذلك الدفاع عن ممارساته السلبية الخاصة بدونية المرأة وحقوق الميراث والحجاب القسري وتزويج الصغيرات ومظاهر التعصب والتطرف والأصولية التي صار الغرب “يفتقدها”!

 

إننا نشهد بشكل لافت، عمليات ‏إعادة فهم الإسلام وجعله مقتصراً على التعنت وعدم التسامح وتحويل هذين الجانبين إلى فضائل لعبة خطيرة يمارسها خطاب اليمين واليسار الغربي، لدرجة أن فيلسوفاً ملحداً مثل الفرنسي ميشيل أونفري حذر من فناء الغرب بسبب تخليه عن الصلابة واللاتسامح، ورأى في المسلمين نموذجاً ملهماً لأنهم متعلقون بأخلاق الجنس وبالروحانيات. وهو خطاب يعيد تشكيل معنى الإسلام في صورة يدفع ثمنها المسلمون قبل غيرهم.

……………………………………………

 

حسين الوادعي

نشر المقال على موقع درج

ضع اعلانك هنا