الإسلام اليوم… ألم يحن وقت طرح الأسئلة؟
………………………
يبدو الإسلام، كما يطرحه دعاته اليوم، ديناً مغلقاً ومكتفياً بذاته مقارنة بغيره من الأديان.
كل شيء تمت الإجابة عليه مسبقاً.
فهو آخر الأديان، والدين الوحيد الصحيح كما يجمع المسلمون بما فيهم العقلانيون.
ونبيه هو آخر الأنبياء ولا نبي بعده، وسيرته معروفة وموثقة بتفاصيلها الدقيقة كما دونتها سيرة ابن هشام.
وكتابه هو كلمة الله الحرفية الكاملة، وقد تم جمعه كاملاً وتناقلته الأجيال بلا نقص ولا تحريف.
وهو دين بلا خرافات كما يؤمن أتباعه. حتى الإسراء والمعراج بخيالها الجامح ليست إلا حقائق مثبتة لا مجال لوضعها في خانة الخرافات.
وتاريخه تاريخ مثالي نقي مرسوم بالكريستال الصافي فلا انتهاكات ارتكبت لإجبار سكان الأقطار المغلوبة على الانصياع، ولا سيف استخدم لنشر دين السلام. تاريخ الإسلام كما تم تكريسه تاريخ مرسوم بألوان وردية وبنفسجية: عدالة وسلام وعلوم وإنصاف للمظلوم وتحرير للعبيد.
وفوق هذا كله يؤمن المسلمون بأن الإسلام ليس دينهم وحدهم بل هو دين البشرية كلها، وأن الشقاء الذي تواجهه البشرية اليوم عائد في الجزء الأكبر منه إلى تأخر البشرية في معرفة الدين الحق واعتناق الإسلام!
والشريعة ليست محكومة ببيئته البدوية العربية لكنها صنعت في السماء ونزلت منه لتكون صالحة لكل زمان ومكان.
ولا توجد سلطة دينية في الإسلام حتى لو كانت كل حركات المسلم وسكناته محكومة بفتوى وبرأي ديني. يؤمن المسلمون بأن الإسلام سلطة ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وروحية ولكنهم في الوقت نفسه يؤمنون بأن لا سلطة دينية في الإسلام!
وتردد الغالبية تلك العبارة الغريبة أن “الإسلام دين ودولة”، من دون تفكير في معناها. فهل المسيحية أيضاً دين ودولة؟ وإذا كان الدين دولة فهل نزلت هذه الدولة من السماء؟ وهل كل الأديان دول في الوقت ذاته؟
بالنسبة إلى المسلم العادي والمثقف، الإسلام دين كامل مكتمل ليس بحاجة لنقد ولا إصلاح ولا مراجعة. وإذا كان الإصلاح الديني البوابة التي نقلت العالم المسيحي نحو الحداثة، فلا حاجة للإسلام إلى إصلاح ولا تجديد.
في ظل هذه المُسلَّمات الكبرى لا وجود لأي سؤال كبير حول الإسلام.
وفي ظل هذا الجو يقع العقل المسلم في معضلة التوقف عن التفكير. وتتفاقم الحالة لتتحول من التوقف عن التفكير وهي حالة إرادية إلى العجز عن التفكير وهي حالة لا إرادية ولا شعورية.
لكن أمام الإسلام أسئلة كبرى لا بد من طرحها ونقاشها للخروج من مرحلة الأزمة.
السؤال الكبير الأول: القرآن. هل القرآن فعلا هو كلام الله؟ وهل يتكلم الله لغة بشرية؟ ولماذا بالذات تلك اللغة الشعبية لإحدى القبائل الهامشية في تاريخ العالم؟ وهل ضم المصحف كل القرآن أم أن هناك سورا وآيات سقطت في عملية الجمع؟ وهل نزل القرآن لفظا ومعنى كما هو، أم نزل بالمعنى فقط أما اللفظ فهو اجتهاد محمد لترجمة المعنى الى الناس؟ وكيف يمكن تفسير غموض القرآن وتفكك بنائه وتركيبه وغموض ألفاظه؟ وكيف يمكن التعامل مع الآيات القرآنية التي تتناقض مع العلم أو العقل أو مع حقوق الإنسان أو مع القيم والأخلاقيات الحديثة؟ وكيف نفهم أن القرآن، وهو كتاب الإسلام الأول، لم يحتو على أي تفاصيل عن العقائد والعبادات الإسلامية الأساسية فلا ذكر فيه لعدد الصلوات ولا لطريقتها ولا لمعنى الزكاة ومقاديرها ولا لطريقة الصوم وعدد أيامه ولا لأسس الإيمان وأركانه؟
السؤال الكبير الثاني: الله. هل الله في التصور الإسلامي هو إله الكون المجرد أم إله القبيلة المصطفاة؟ هل الله مجرد تصور مقلوب لشخصية شيخ القبيلة العربي: الغاضب، الماكر، المقاتل، المهيمن، القوي، القادر، المنتقم، الجبار، المتعالي، المعز، المذل؟ أم هو إله العالمين الرحيم، الواهب، المصور، المجيب، الرزاق؟ وإذا كان الله هو خالق كل شيء فكيف يكون له أعداء، ولماذا خلق لنفسه أعداء، وكيف يكون له أعداء إلا إذا كانوا منافسين له بالقوّة والقدرة الإلهية؟
ينظر المسلمون عموماً لله على أنه يغضب من أجلهم، ويقاتل أعداءهم، يشعل الحروب ويرسل الطاعون والجراد والفيضانات والأعاصير والزلازل والفايروسات لقتل كل من لا يعجبهم أو يُغضبهم. فهل انتقل العرب والمسلمون إلى فكرة الإله الواحد لجميع البشر؟ هل الله في التصور الشعبي والنخبوي للمسلمين إله توحيدي أم أنه مرحلة وسطى بين صورة شيخ عشيرة قادر على كل شيء في مصلحة عشيرته وصورة الإله الخالق للكون؟
السؤال الكبير الثالث: المرأة. هل نظرة الإسلام للمرأة سلبية؟ وإذا كان الإسلام الكلاسيكي قد عجز عن تجاوز الشرط التاريخي ووضع المرأة في المكان المتدني الذي وضعته فيه ثقافة ذلك العصر، فكيف يمكن الخروج منها؟ لماذا تراجعت اللحظتان البورقيبية والكمالية في تحرير المرأة؟ ولماذا التشريعات الإسلامية هي تشريعات موجهة، غالباً، للرجل والخطاب الديني موجة للرجل ووجود المرأة استثناء؟ وهل يمكن الانتقال من النسخة التمييزية للإسلام التي تميز بين الرجل والمرأة في الكرامة والحقوق العامة والميراث والزواج والطلاق والأهلية؟
السؤال الكبير الرابع: الحريات. جاء اسم الإسلام من التسليم المطلق بمعنى القبول والطاعة غير المشروطة لأوامر الإله/النبي. ثم توسع بعد ذلك ليشمل التسليم بطاعة الأمير/ولي الأمر بحكم أن من مهمات ولي الأمر سياسة الدنيا وحراسة الدين.
يبدو الحديث عن حرية شخصية في الإسلام إشكالياً. فالإسلام يطرح نفسه كنظام شمولي يحتوي على إجابات وتوجيهات تفصيلية لجوانب حياة المسلم. تتضافر طاعة الله مع طاعة الرسول وطاعة ولي الأمر وطاعة أولي العلم لتضع المسلم داخل أربع دوائر حديدية تخنق أدنى مساحة للحرية.
تضافر هذا المأزق التاريخي مع صعود الإسلام السياسي وموقفه الرافض للحريات السياسية (الديموقراطية) والحريات الفردية والحريات الدينية (الردة، أهل الذمة) وليبدو الانتماء للإسلام، كما يطرح اليوم، انتماء ضمن أدنى درجات الحرية فكلما زاد التزامك بالإسلام قلّت حريتك. وأعلى سقف يقدمه الإسلام اليوم للحرية لا يصل حتى للحد الأدنى من الحريات المعترف يها عالمياً اليوم.
السؤال الكبير الخامس: النبي. يظن معظم المسلمين أننا نعرف كل شيء عن الرسول: مولده، طفولته، اسمه، مؤثرات شبابه، عدد وأسماء زوجاته، عدد أولاده، شكله، ولونه، وطريقة مشيه، وطريقة أكله!
والحقيقة عكس ذلك تماماً. فقد اختلف المؤرخون على اسمه. واختلفوا على عدد أولاده بين قائل أنه لم ينجب إلا من خديجه، وقائل أنه لم ينجب اطلاقا، وقائل أنه أنجب من البنات فاطمة فقط، وقائل أن له 3 ذكور 4 بنات. واختلفوا حول عدد زوجاته وتفاصيل طفولته وسنة مولده. واختلفوا هل كان غنيا أم فقيرا؟ وهل كان فعلا يربط الحجر على بطنه من الجوع أم أنه كان ثريا يأكل أفخر الطعام ويتزوج اجمل النساء ويمتلك أخصب وديان المدينة وما حولها. واختلفوا في أي سنة مات، وكيف مات. واختلفوا حول أخلاقه وتناقضت المرويات بين من صوروه متسامحاً ومسالماً، وبين من صوروه غاضباً، محارباً، قاسياً. واختلفوا حول ديانته قبل البعثة، وعلى أي دين كان يتعبد في غار حراء. واختلفوا إن كان أمياً أم قارئاً وكاتباً ومطلعاً على الكتب والعقائد.
الصورة ثلاثية الأبعاد عن الرسول صورة وهمية. محمد هو النبي المجهول وهذا أحد الأسئلة الكبرى التي نحتاج طرحها لتكوين رؤية أدق حول حقيقة الرسول وبالتالي حقيقة الرسالة.
السؤال الكبير السادس: الأزمة. غالباً ما يعبر المفكرون والمحللون عن التحديات التي تواجه فكرة أو موقفاً أو كياناً باستخدام مصطلح “الأزمة”. ونتحدث اليوم عن أزمة الديموقراطية وأزمة المناخ وأزمة الهجرة وأزمة الاندماج وأزمة النمو الاقتصادي وغيرها من الأزمات.
إن الحديث عن أزمة الديموقراطية لا يعني هذه الديموقراطية أو سقوطها ولكنه يعني انها تعيش مأزقاً صعباً يحتاج جرأة في التجديد والتغيير والإصلاح. وبمثل هذه النظرة نتحدث عن أزمة الإسلام. الحديث عن أزمة الإسلام لا يعني نهايته أو سقوطه بقدر ما يعني أنه في مفترق طرق وفي منعطف صعب ومصيري يحتاج إلى الخروج من عقلية التقديس والصمت.
أزمة الإسلام تعني أن المعالجات القديمة لم تعد تجدي ولا بد من معالجات جديدة تقترب من الجذور والأصول. وطرح الأسئلة الكبرى لأن غياب الأسئلة الكبرى هو أبرز أوجه الأزمة.
حسين الوادعي …………………………..
نشر المقال على موقع Daraj Media