د. ياسين سعيد نعمان
بمرور مائة سنة على عقد الهدنة التي شكلت البداية الأولى لانهاء الحرب العالمية الاولى ١٩١٤/١٩١٩، يحتفل العالم بانتهاء هذه الحرب كما لو أنها كانت آخر الحروب ، مع العلم أنه لم تمر سوى عشرين سنة حتى اندلعت حرب عالمية أخرى أكثر ضراوة ودماراً من الاولى.
لم تتوقف الحروب إلا حينما توازنت القوى ، وبات الجميع يشعر أنه لا أحد يستطيع أن ينتصر بالسلاح ، أو يغير مكانته في معادلة الحياة بالقوة ، وأخذوا يبحثون عن وسائل أخرى لإدارة علاقاتهم ومصالحهم وأسلوب تعايشهم .
الاحتفال بنهاية الحرب العالمية هو رسالة مفادها هو أن الحروب قد تغير الخارطة السياسية ولكنها لا تشكل قيمة ذات معنى في إدارة شئون الناس.
في بريطانيا أقيم حفل ضخم في “وستمنستر آبي” في هذه الليلة إحتفاء بهذه المناسبة التاريخية ، حضرته الملكة والحكومة وأعضاء البرلمان وقيادة الجيش والسلك الدبلوماسي والرئيس الألماني ، وكان أجمل ما تردد من عبارات هي ” أن الله محبة ” وأن ” السلام هو رديف هذه المحبة ” ، وأن ” البشر حينما يلجأون إلى الحروب لتحقيق أهدافهم ، مهما كانت نبالة هذه الأهداف ، فهم إنما يغادرون المساحة التي يتحرك فيها العقل في رحاب الضوابط التي تحترم الانسانية إلى مساحات بلا ضوابط ، وفي هذه المساحات يفقد الانسان إنسانيته ليقتل ويدمر ويسفك الدم ويهدم حضارات” .
وتم إيراد أمثلة لهذه الحقيقة وهي أن معظم الحروب التي شهدها العالم كان المبادر فيها هم أولئك الذين فقدوا القدرة على جعل السلام وسيلة للحياة والتعايش ، كانت بداية الحروب في الأساس عدواناً ، ولم تكن بأي حال من الأحوال أداة لذوي الأهداف النبيلة إلا حينما يفرضها آخرون بدوافع يتجلى من خلالها غياب المسئولية والهيمنة ونشر الخراب .
وفي الكلمة التي ألقتها رئيسة الوزراء “تريزا ماي “استشهدت بعبارة لتشرشل تقول ” إن العقاب الذي تفرضه الهزيمة هو الخراب،أما المكافأة التي يستحقها النصر فهي المسئولية . الأمم التي تنتصر في الحرب تتحمل مسئولية المستقبل ، ولا بد أن يتجسد ذلك النصر في العبء الذي يتعين عليها أن تحمي بموجبه العالم من تجدد الحروب .. لا معنى للنصر إذا لم يحم العالم من دمار الحروب .. “.